آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

ضبط النفس

ورد عن الإمام الحسن المجتبى : ”إن لم تطعك نفسك فيما تحملها عليه ممّا تكره، فلا تطعها فيما تحملك عليه ممّا تهوى“ «تنبيه الخواطر ج 2 ص 113».

هناك نوازع نفسية سلبية تتملك المرء وتقوده نحو ارتكاب الأخطاء وانخفاض مستوى الهمة في ميدان العمل الجاد المثابر، إنها الأهواء التي يردي نفسه باتباعها وتقديم رايتها، ولا نجاة من تبعاتها سوى تهذيب النفس ومراقبة تصرفاتها وفق معيار رضا الله تعالى، ورغبته في السير في طريق التكامل النفسي يفرض عليه وقفة جادة ممانعة لاتباع الهوى.

ولعل النفس تبدي ممانعة وتكاسلا عن امتشاق قمة السمو والعلياء، وبسبب ضعفها ترضى بالبقاء على أرض صلدة لا يوجد فيها ما يعلي شأنها من عبادة مقربة من الله أو خلق رفيع يأخذ بها نحو الجمال الإلهي، والمرء في هذه اللحظات أمام خيار مهم: فبعد اكتشاف الامتناع من نفسه من اكتساب نقاط القوة الإيمانية، عليه مراجعة حساباته وقدراته ودراسة أسباب الانفصام بين رغبة وجدانية بالتكامل وبين واقع تفرضه إرادته الضعيفة ونفسه المتخلية عما يعلي مقامها، ومن ثم يعاود الكرة ويسلك نورانية القلب وتطبيق المضامين العالية والقيم التربوية.

وهذه الرعاية والمعالجة للنفس عند إبائها مسلك العمل القربي من الله تعالى هي «ترويض النفس وتطويعها»، فالأهواء تقوده نحو التفلت من القيم وارتكاب الخطايا، وإن أراد كباح جماحها فعليه تعويدها وتدريبها شيئا فشيئا حتى تألف أجواء العبادة وتأنس بها، بعد أن تتخلى تدريجيا من وحشة الانقطاع إلى الله تعالى، وتخلع عنها غشوة الأنانية والتكبر في التعامل مع الناس، فتنطلق بسهولة ودون تكلف في ميدان التعامل الرفيع وصنع المعروف والإحسان.

ولا يخفى أن النفس لو خليت وطبعها دون تحفيز وتوجيه، تحب الراحة وتجنب عناء العمل وإن كان يجر منفعة وقوة لصاحبها، كما أن اللذات أقرب إليها من الكمال المعنوي فتيمم نحوها دائما ولا تعرض عنها، فما لم يكن هناك ترويض يعيد صياغتها باتجاه التعالي عما يحط من شأنها ستبعثر فكره ووجدانه نحو الانشغال والتشتت، فما دام عنده إقبال ونشاط وهمة فليبادر إلى ألوان الطاعة بما يستطيع أن يتحصل على مضامينه من خلال حضور قلبه.

وفي الأوقات التي يعصف بالنفس الهم وصخب الحياة وتعقد المشاكل من حوله وتأزم موقفه أو علاقته مع أحد، قد لا يملك الإرادة الكافية لطرد الأفكار السلبية أو مقاومة الشرود الذهني، والذي يجعل العبادة طقوسا خاوية لا تكسبه خشية من الله تعالى ولا ورعا عن المحرمات ولا رقة في قلبه، فليمارس دور المهادنة مع نفسه فلا يكلفها ما لا تطيق، وليأت بما يحافظ فيه على مكتسباته من خلال الاقتصار على الواجبات؛ لئلا تتثاقل النفس من الطاعات والنوافل بنحو دائم، وإن كانت الظروف القاهرة التي يمر بها يصعب عليه التغلب عليها، بما لا يفسح له المجال لجني الثمرات الإيمانية من طمأنينة وأنس بالله تعالى، فهذا لا يعني التخلي عن مبدأه بالتقرب إلى الله تعالى بعبادة واعية، بل يتدرج مع نفسه شيئا فشيئا حتى يستعيد روحية العبادة والإقبال عليها، فيؤديها برغبة وتشوق وليس مكرها عليها.

وهناك عدة عوامل تسلب المرء لذة المناجاة والإقبال في العبادة، ومنها الذنوب التي تثقلها بالشهوات فتصرفها إلى التولع بها والتفكير فيها دوما، فلا يلتفت إلى اكتساب القيم المعنوية النورانية، ويحضر جسمه ويختفي فكره ووجدانه.

كما أن فهم حقيقة الحياة وما تكتنفه من مصاعب ومتاعب وهي سنة لا تتخلف عن أحد من الناس، فلا يشغل نفسه بالتفكير السلبي بها بل يعمل ما عليه من مهام ويفوض بعد ذلك الأمر لله تعالى، ولا يسمح لهذه الصعوبات أن تسلبه أقصى غاياته بالقرب من الله تعالى والأنس بمناجاته والقرب منه.

وليعلم أن الأهواء النفسية لن تقوده إلا لما يلحق به الضرر، فلينظر إلى عواقب أي فعل أو فكرة فلا يتحرك وفقها إلا بعد التعرف على نتائجها، وأي سوء لها أكبر من حرمانه من عبادة يتفاعل مع مضامينها؟