آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

التحولات.. الصدمة

محمد أحمد التاروتي *

النظرة للتحولات الاجتماعية، والمتغيرات المتسارعة، تختلف باختلاف القدرة على الاستيعاب، وإمكانية التأقلم، فهناك شرائح قادرة على امتصاص المتغيرات بصورة سريعة، مما يساعدها على دينامكية التقبل، والتعاطي بصورة إيجابية، باعتبارها جزء لا يتجزأ من التطور البشري المستمر، الامر الذي ينعكس على خطابها المتوازن، وغير المتشنج مع التحولات الاجتماعية، حيث تنظر للامور بشكل مختلف تماما عن الشرائح الاجتماعية الاخرى، وبالتالي فإنها تتمكن من مسايرة الوضع الجديد باقل الخسائر، نظرا لوجود ثقافة قادرة على استيعاب تلك التحولات الاجتماعية.

بينما تتخذ بعض الشرائح الاجتماعية، موقفا معارضا، وغير متوازن، واحيانا تصادميا مع المجتمع، مما يدفعها لرفع نبرة الخطاب المعارض في المنابر الإعلامية، حيث تعمد لاستخدام الصوت كوسيلة لاثارة الرأي العام المحلي، من اجل وقف زحف التحولات الاجتماعية، ومحاولة التشكيك في الأهداف الحقيقية وراء التحولات الحاصلة، بمعنى اخر، فان الافتقار للقدرة على استيعاب التطور البشري، يحول دون القدرة على التسليم بالواقع الجديد، مما ينعكس على صورة معارضة قوية، الامر الذي يحدث حالة من الانقسام المؤقت في البيئة الاجتماعية، جراء تباعد وجهات النظر تجاه التحولات الاجتماعية المتسارعة.

الاختلاف في التأقلم مع التحولات الاجتماعية، يسهم في نشوب صراع اجتماعي بين الطرف المتفهم، والاخر المعارض، بحيث تبدأ الماكنة الإعلامية للطرف المعارض في شن الحملات المضادة، في سبيل ايقاف تلك التحولات، من خلال التخفي وراء ”الحفاظ على القيم الاجتماعية“، والوقوف امام حملات التغريب الخارجية، اذ يجد في البداية تأييدا لتلك الحملات الإعلامية، من قبل بعض العناصر، خصوصا وان الشعارات التي يرفعها الطرف المعارض، تدغدغ المشاعر، مما يسهم في استقطاب بعض الشرائح الاجتماعية.

الانتصار في الصراع المحتدم، بين الاطراف المتفهمة للتحولات الاجتماعية، والاخرى المعارضة، يكون في الغالب لصالح الاطراف المؤيدة، خصوصا وان التمسك بالماضي، ورفض استخدام لغة العصر مصيره للزوال، فالكثير من الصراعات القائمة بين أنصار لغة العصر، ومعارضي التقدم تكون في صالح الطرف الاول، نظرا للدخول لغة العصر بقوة في مختلف تفاصيل الحياة اليومية، والاجتماعية والثقافية، مما يجعلها جزء من الواقع المعاش، بمعنى اخر، فان محاولة اقتطاع جزء من الحياة الاجتماعية، عملية محكومة بالفشل الذريع، الامر الذي يفسر الانسحاب التدريجي، لانصار الفريق المعارض للتحولات الاجتماعية، والانخراط بطريقة مباشرة او غير مباشرة، في طريقة الحياة الاجتماعية الجديدة، خصوصا وان الوقوف امام تيار التجديد بحاجة الى مبررات قادرة على الاقناع، بيد ان المخاوف التي يقدمها الفريق المعارض ليست واقعية احيانا، واحيانا تكون غير قادرة على الصمود امام حركة التغيير الحاصلة في المجتمع.

القدرة على استيعاب صدمة التحولات الاجتماعية، تشكل احد العناصر لتوظيف تلك التحولات بالاتجاهات الايجابية، فالموقف المعارض يحرم البعض من الحصول على المساحة المناسبة، لتوجيه التحولات الاجتماعية نحو البناء عوضا من استغلالها من بعض الاطراف، باتجاه الهدم ومحاولة توظيفها في كسر بعض الثوابت الاجتماعية.

كاتب صحفي