آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

بيدرو وَ دورثي

لم يكمل بيدرو دراسته الجامعية ولكنه كان شاباً يعرفُ معنى الارقام والربح والخسارة فهو خاطرَ بكل ما يملك، بل بِكُلِّ حياته كي يعبرَ الحدودَ بين المكسيك وكاليفورنيا في أمريكا. عمل في الحقولِ وجنى الكرزَ في غربةٍ قاسية مقابل مبلغٍ زهيد قبل أن يتعرف إلى زوجته دورثي ويحصل على بقاءٍ شرعي في أمريكا التي الآن تغلق بابها عن وصول من لا يملك المال ومن تكرهه.

حصل بيدرو على فرصةٍ للعمل في أحدِ المتاجرِ التي تفتح فروعها على مدارِ الساعة. كان يصف البضاعةَ على الرفوفِ بانتظام وإتقان ويتعرفَ على مرتادي المتجر وينسجَ خيوطَ علاقةٍ متميزةٍ مع إدارةِ المتجر ورؤساءَ الشركة قدر ما استطاع. من يسأله عما يعمل كان جوابه ”إدارة المبيعات“ ولم يقل يوماً ”وضع البضاعة على الرف“. كان جُلُّ همه أن يزيد المتجرُ من ربحه وأن يملكه عندما يكون لديه المال الكافي فوضع حلمه وهدفه الأولي أن يكون مدير المتجر.

لم تكن أجهزة المحاسبةِ كثيرةَ التعقيدِ في الثمانينات وتعلم بيدرو كيف يستخدمها فأعطته الشركةُ تلك الوظيفة ”محاسب“. عرف بيدرو مفاتيحَ الارتقاءِ في تلك المنشأةِ الصغيرة ورفع رأسه إلى مرتبة ”مدير مبيعات“ ومن ثم ”المدير العام“ لذاك المتجر. كان طول تلك المدة يجمع المالَ ويشتري أسهماً في الشركةِ التي تملك المتجر وتسمح ببيعه لموظفيها الأكفاء بسعرِ السوق. كانت زوجته دورثي التي تعمل مدرسةً تدخر ما أمكنها من المالِ أيضاً لتزيد من حصتهما في المتجر. اشتري بيدرو ودورثي المتجرَ بعد خمسِ سنواتٍ وانتقل من مهاجرٍ غير مرغوبٍ فيه إلى مالك متجرٍ لا حد لربحه إلا ما وضع بيدرو وزوجته لنفسيهما.

لم يشتري بيدرو وزوجته متجراً آخر بعد هذا ولم يكونا في الوجود سوى في هذه القصة التي أحدثتها. بالطبع لن تصبح مثل هذه القصص في الواقعِ عندنا لاختلافِ كُلِّ شيء، المكان والاشخاص والبيئة بكليتها التي حدثت فيها، ولكن السر الذي أحببتُ أن أشاركك فيه أن الأيامَ ربما لن تعطيك ما أردت لكنك قد تقترب من الهدف. ماذا لو عمل بيدرو في صف ورص الرفوف بشكلٍ رائع دون نظرةٍ أعلى لكان بيدرو العامل المجد ليس إلاَّ!

كلنا نعمل وتقف في وجوهنا عوائقُ بعضها حقيقية لا نستطيع ارتقائها اليومَ ولكن من يدري ماذا يأتي به الغد. لو أطفأ كلنا شعلةَ التميز وقلنا ”هذا هو القدر“ سوف يصبح القدر الافتراضي واقعاً وسنكون كلنا بيدرو العامل المجتهد ليس سوى ذلك. سُنَّةُ النشوءِ والارتقاءِ الاجتماعي والاقتصادي تطلبُ منا أن يكونَ لدينا هدفاً مرسوماً واضحاً عالياً لا نصله اليومَ أو غد ولا نصله كلنا لكن يصله بعضنا يوماً ما. متى ما رسمنا هدفنا ووصلنا إليه تحققت آمالنا وإن عملنا بملءِ طاقتنا ولم نصل عذرتنا الأيامُ والناسُ واللهُ وبقي من محاولاتنَا التذكاراتِ الجميلة التي قد يصيرها أبنائنا حقيقةً من بعدنا...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
7 / 7 / 2018م - 12:17 م
حقيقةً انسجمت مع أحداث الأقصوصة ، وإن كانت من نسج الخيال لكنها تشابه كثيراً قصص الواقع ، علمتنا قصص القرآن أن الله يحب العبد الطموح حتى يعمر الأرض كما ينبغي ، شكراً لك على ماكتبت ..
مستشار أعلى هندسة بترول