آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

أينَ أنا؟

يقارنُ أبناءُ البشرِ أنفسهم بغيرهم. كم نعيش ومتى نموت وكم دخلنا وماذا يصيبنا وقد عرفت الإحصائياتُ هذهِ الرغبة وأجابت على بعض ما نود معرفته. ينظر طبيبُ الأطفالِ إلى رقمِ وزنِ الطفلِ وطولهِ ويقول لنا طفلكم في منتصف توزيعِ الوزنِ لمن في عمره، لا خوف عليه ولكن لا يعطينا الطبيبُ ما أخفاه الربُّ وما أخفيناه لأنفسنا في الكبر. أحصت المصانعُ والتجار رغباتنا وشهواتنا فأنتجت ما يرضينا. عندما لا يستطيع العلمُ أو المنطق إعطاءنا الجوابَ نسألُ العرافينَ وقارئي الكف رجاءَ أن يعلموا ما يخفيه القدر!

يموت شخصٌ في عمرنا نسأل كيفَ ومِمَّ مات؟ ليس تطفلاً  لكننا في أعماقِ عقولنا نتمنى أن نعرفَ أو نتمكن من أن نتوقع كم نعيش. يعمل معنا شخصٌ نعرفه نسأله كم يكسب في الشهر. ماذا يأكل، ماذا يشرب، ماذا يلبس وأين يسكن؟ في الغالبِ لا نفرح ولا نحزن ولكن نعرف قيمتنا الاقتصادية وأين نحن من تكتلِ من حولنا. تمر فترةُ تقييمِ الموظفينَ في كُلِّ شركةٍ وكُلُّ من فيها يسأل عما أعطى المشرفُ من حوله. ليس بيده أن يغيرَ النتيجةَ لكنه يود أن يعرفَ مكانته في الشركةِ في وجودِ الجماعة. لا بأس بمعرفةِ أين نقف في الجماعةِ ولكن يموتُ أداءنا عندما نقارنُ أنفسنا بتوزعِ الجماعة ونفرح فقط لأننا في لوحةِ الارقام.

يوقنُ صاحبُ كٌلِّ شركةٍ أن في الامورِ على عواهنها أغلب الأداءِ وأجوده يأتي من القلةِ وتكفل الاغلبيةُ أداءَ الجزءِ الأقل قيمةً من العملِ ويعلم كُلُّ تاجرٍ أن غالبيةَ ربحه تأتي من قليلٍ من البضاعةِ وبقيتها لازمةُ عمل. نحتمي في التكتلِ الاجتماعي ويعطينا إما  قوةً جامعةً أو قوةً سالبةً. تكون القوةُ جامعةً عندما يحتمي الفردُ بالجمعِ ويعطي الجمعُ له الطاقةَ التي تمكنه من الطيرانِ في رياحهم عندما تنكسر اجنحته وتتحول القوةُ سالبةً عندما يذهب المتميزُ نحو معدلِ القوةِ االجامعةِ السالبة ويفقدَ خصائصه التي جعلته يختلف عنهم.

يتطلب الصعودُ نحو التميزِ من الفردِ جهداً يعاكس به القوةَ الجاذبةَ في الأرضِ ولا يحتاج النزول سوى عَدَّ درجاتِ الهبوطِ نحو القاع. لهذا يصبح الصعودُ مثل الحياةِ والنزول مثل المماتِ للفردِ ومن ثم الجماعة. لو أدخلنا طفلاً وبيده كتابٌ يقرأهُ على أطفالٍ يلعبونَ في حجرةٍ لا يدهشنا أن الطفلَ ينجذب نحو اللعبِ لأن فيه هبوطٌ نحو العيشِ في سهولِ الحياةِ مع الجماعة مهما كانت النتائج وبالعكس لن يتركَ الصغارُ الآخرونَ بإرادتهم اللعبَ لأن فيه صعوداً صعباً لجبالِ الحياة. لا يستطيع دفعَ الجماعةِ نحو صعودِ جبالِ الهممِ سوى الأنبياء وقلةٌ من البشر يعاندهم الشيطانُ في دفعِ أقدامِ البشرِ نحو الانزلاقِ والسقوط.

ألوانُ الحقائقِ تبقى فاقعةً لا تخفى وكل تميزٍ يأتي بثمن. عندما تنظر من حولك وترى من ارتقى سُلَّمَ العملِ أو الحياةِ لا تسأله كم يحصل ولكن اسأله كيف ارتقى وهل بإمكانه أن يعطيكَ ذاكَ السر. لن تكون فرصُ الحياةِ متساويةً لجميعنا ولكن تدخل السكينةُ نفوسنا متى ما علمنا أننا لم نضع الشوكَ أمامنا ولعنا تلك الساعةَ التي مررنا في الطريق. عندما تعرف سر الأداء وتصل حيث هو أو قريبٌ منه سوف تأتي كُلُّ الأجوبةِ دونَ الحاجةِ للسؤال.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
9 / 7 / 2018م - 12:48 ص
قيل أن أحد مفاتيح السعادة مقارنة نفسك الآن بنفسك فيما مضى ، لاتقارنها بأقرانها من بني البشر فتشقى ، علينا السعي وعلى الرب التوفيق ..
كلام متتابع عن السعي والإرادة وتحقيق الطموح يُجدد في الإنسان همةً نحو الآمال ..
أمنياتي بتحقيق آمالاكم ..
مستشار أعلى هندسة بترول