آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

المواجهة.. الهروب

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض سياسة الهروب للأمام، في التعاطي مع الازمات والمشاكل، سواء كانت على الصعيد الاسري او الاجتماعي، من خلال استخدام المسكنات لتجميد القضايا بشكل مؤقت، بحيث يتحاشى الغوص في تلك الازمات بشكل مباشر، او البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة، وراء انفجار تلك القضايا، الامر الذي يحول دون القدرة على انهاء المشاكل من جذرها، وبالتالي بقاء ملفاتها مفتوحة لسنوات طويلة.

تجنب المواجهة المباشرة مع الازمات، معضلة كبرى في إيجاد الحلول المناسبة، خصوصا وان التعاطي بمسؤولية مع الازمات في البداية، يقود للقضاء عليها في مهدها، فالأمور بمجرد تضخمها يصعب إيجاد الحلول بخصوص بشكل سريع، الامر الذي يفسر صعوبة الكثير من الازمات الاجتماعية، التي تكابدها العديد من الكيانات البشرية، بمعنى اخر، فان محاولة ادارة الظهر للمشاكل باعتبارها ثانوية او غير هامة، يجعلها مع مرور الوقت من القضايا الكبرى، بحيث تفرض نفسها بقوة على الجميع، نظرا لما تشكله من خطورة على الحياة الاجتماعية.

امتلاك الشجاعة للاعتراف بوجود أزمات حقيقية، يمثل بداية الطريق لمواجهتها بالطريقة المناسبة، فالانكار والتهميش من الأمراض المزمنة، التي تعاني منها بعض المجتمعات، لا يقضي عليها بقدر ما يفتح الطريق أمامها، للتمدد افقيا وعموديا، خصوصا وان بعض المجتمعات ترسم لنفسها عالما ملائكية خاليا من الاخطاء، الامر الذي يجعلها غير قادرة على التخلص من الكثير من الازمات على اختلافها، نظرا لانتهاج سياسة الهروب للأمام في الفترات السابقة، فهناك مجتمعات تحاول اخفاء العيوب بطريقة خاطئة، وممارسة خداع الذات، مما يحرمها القدرة على ابتكار الطرق المناسبة، للتعامل بطريقة مسؤولة مع القضايا الاجتماعية، بمعنى اخر، فان وجود الازمات الاجتماعية امر طبيعي في مختلف الكيانات البشرية، بيد ان الاختلاف يكمن في الأسلوب المتبع في معالجة تلك الازمات، ومحاولة الخروج باقل الخسائر، عبر التحرك الجاد للوصول الى الحلول الجذرية.

اختيار الفريق المناسب لبحث الازمات الاجتماعية، وكذلك تحديد التوقيت المثالي للبدء في التحرك، عوامل مساعدة في معالجة القضايا على اختلافها، فالرغبة في التحرك الجاد للتعاطي مع الازمات، ليس كافيا بدون امتلاك الأدوات المناسبة، ”أَعْط القوس باريها“، ”أَعْط الخبز خبازه“، بمعنى اخر، فان التخصص امر مطلوب في مختلف القضايا الشائكة، لاسيما وان اصحاب الخبرة يمتلكون القدرة على تخصيص العلة، ووضع الدواء الناجع، وبالتالي فان دخول غير المتخصص يسهم في التخريب في الغالب، بالاضافة لذلك، فان تحديد الفترة الزمنية لمعالجة الازمات الاجتماعية، يشكل عنصرا حاسما في وضع الامور في نصابها، خصوصا وان المعالجة المتقدمة تتساوى في احيان كثيرة مع الدخول المتأخرة، فهناك العديد مقدمات يستوجب استيفائها، قبل الانخراط في المعالجة على ارض الواقع، بمعنى اخر، فان المعالجة المسؤولية ينبغي ان تحسب بدقة متناهية للحصول على النتائج المرجوة.

المواجهة المباشرة الحل المناسب، للقضاء على العديد من الازمات الاجتماعية، فالهروب ليس حلا على الاطلاق، بقدر ما يكشف عجزا واضحا، في التعامل مع القضايا القائمة، مما يستدعي التحرك بمسؤولية كبرى، لمحاولة اخراج المجتمع، من مستنقع الازمات المزمنة.

كاتب صحفي