آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

أهل البيت سبل الله

من لطف الله تعالى بعباده أن زودهم بوسائل معرفته واليقين بوجوده وتدبيره لشئون الكون والعباد بحكمة وتقدير ونظام، وكانت هذه المعرفة من أبسط أقسام المعرفة إذ أن وجدانهم وبصرهم وبقية حواسهم تثبت هذه الحقيقة بلا مؤاربة أو شك، فبأدنى التفات وتأمل يتحصل المرء على معرفة بالخالق العظيم، الذي أحسن كل شيء خلقه وهداه إلى طريق تكامله، ولكن هذه المعرفة بالله تعالى تحتاج إلى بعدين: الأول: الجانب النظري الذي يعطي علما واسعا بحقيقة الخالق وطريق شكره على ما أنعم على عباده من آلاء لا تحصى، وهذا ما يظهر من كنوز الحكمة التي ينطق بها العارفون بالله تعالى من صفوة خلقه، فيجدها المؤمن سبيلا معرفيا يزيح عن بصيرته عتمة التيه والضلال والانحراف، كما نجد ذلك واضحا في أدعيتهم فتذكر صفاته الجمالية الدالة على تلك الكمالات التي يتخلق بها عباده، فالسعادة والفلاح يتحقق بطاعته والقرب منه، وتنزه تلك المضامين العالية سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب.

والجانب الآخر هو الجانب العملي بما تشكله سيرة أولياء الله الصالحين من تجسيد للقيم السماوية ونماذج يحتذى بها، وهذه الكمالات التي تنضح بها كلماتهم النيرة وأفعالهم الراقية تشكل ومضات وأساسا لمقومات الشخصية المؤمنة والرسالية، والتي تتحمل في ميدان العمل المثابر أعباء مسئولياتها.

وتقدم مدرسة أهل البيت صورة شاملة لكافة علاقات الإنسان، بما يتعلق بعلاقته بربه والقرب منه في أجواء روحية مفعمة بالتذلل للخالق، وتشير إلى كيفية الارتقاء في مدارج الكمال والفضيلة والاستقامة والورع عن محارم الله تعالى.

المفاهيم والنظريات القيمة في أطروحاتها وأهدافها نجدها جلية في فعلهم قبل قولهم ، فهم القمة المتألقة في طاعة الرحمن وملازمة ومحالفة محراب العبادة والمناجاة، كما كانوا السباقين في ميدان العمل والكلمة الهادفة التوجيهية، وهم أهل العطاء والبذل في أعلى مستوياته وهو إيثار الغير على أنفسهم، وتضحيات جسام لم توفر غاليا ولا نفيسا في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمة الدين الحنيف، فجادوا بأنفسهم الزاكية ليكونوا خير من يمثل الخط النبوي الرسالي، قد قضوا حياتهم الشريفة لتحقيق أهداف الخلافة الإلهية ورفع راية العدل والإصلاح.

حياتهم الشريفة تعد سبيلا للارتقاء الروحي والأخلاقي والمعرفي، فينهل المرء من معين عطائهم وقيمهم بما يؤهله لمواجهة المخاطر ومكائد الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ويرفده بمصدر القوة النفسية والفكرية في ميادين الحياة والتحديات الصعبة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما نستذكر سيرة أمير المؤمنين والذي واجه ألوان العدوان والتشويه لسيرته العظيمة، وقابل الأفكار والتيارات النحرفة كالخوارج فأخمد فتنتهم، أفلا يكون هذا المشهد المكون من عناصر إيمانية وفكرية وقيمية محتذى يستلهم منه المؤمنون دروسا يطبقونها على واقعهم؟