آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

مكب النفايات الألكترونية

عبد الواحد العلوان

كيف تُصبح أنت وجهازك مكب للنفايات الألكترونية وأنت لاتشعر...

في الآونة الأخيرة ظهرت لنا عدة برامج تواصل أجتماعي لم تخطر ببال بشر بأنها ستصبح منصات أجتماعية تختصر الوقت والجهد في إيصال مانرغب به في ثواني ودقائق وعابر للقارات، وستصبح البديل عن الواقع، وجهاً لوجه..

أصبح مستخدمي برامج التواصل الأجتماعي، مابين مقدم وموثق ومابين طبيب ومابين مستشار أسري ومابين مرسل ومستقبل، ومابين أعلامي ومصور ومابين ضابط ومابين محلل مالي ومابين مدقق حسابات، ومابين مسوق وتاجر، ومابين مُخبر عن الطقس وأحواله، ومابين مستهتر وراقص، ومابين متنبئ ومابين هذا وذاك وتلك، تكمن النفايات الألكترونية…

أشهر برنامج وصل عدد مستخدميه حول العالم أجمع مايفوق المليار مستخدم وهو أشهر البرامج والذي حل وتربع وسط الأسر وسط المجتمعات، وفُتحت له القلوب قبل الأبواب وأصبح الأستغناء عنه ضرب من الخيال، بل من المستحيل برنامج ”الواتسابwhatsapp“ الشهير…

لاأستطيع أحصاء إيجابيات وفوائد هذا البرنامج من حيث الفائدة أن كانت قليلة أو كثيرة فهي على حسب أهتمامات الفرد والمستخدم، وفي المقابل لا أستطيع أحصاء سلبيات ومخاطر هذا البرنامج من حيث الخطورة، ولكن هنا أُسلط الضوء على محضورات وممنوعات لگي لايگن جهازك ولا تگن أنت بمثابة مكب للنفايات الألكترونية…

”الواتساب“ Whatsapp

وماأسميه في هذا المقال هو ”مكب النفايات الألكتروني“

أصبح هذا البرنامج ”ناقل“ لكل مايخطر في بال البشر، بدأ من الصوت والصورة والكتابة والحرف، إلى أن أصبح بعض مستخدمي هذا البرنامج يتميزون في نشر كل ماهب ودب، ويدعس المرسل على زر الأرسال send وفي ثواني بل أجزاء من الثانية، نجد بأن هذه الرسالة وصلت عشرات الألاف بل مئات الألاف من المشاهدين، والقارئين لها، من المنتقدين ومن المؤيدين…

”مكب النفاياتWhatsapp“

أصبح مستخدميه لايميزون بين مايرسل، وبين مايحذف وبين ماتعم به الفائدة وبين مايصبح خطر في أرساله، أصبح آداة نقل للمعلومات، وتسريب المعلومات، والفضائح، كم من القضايا والمشاكل التي خلفها هذا البرنامج، كم منزل أسري هُتگ، وكم دائرة حكومية تعرضت للهاكرز، وكم موقع ألكتروني أستبيح، وكم معلومة هامة نُشرت في العام وأصبحت مادة أعلامية دسمة وهدف علينا وتناولته كثير من القنوات الفضائية…

”مكب النفايات الواتساب“

كما كان ظهوره لنا بالعجيب والغريب والمُذهل، أصبح من الواجب علينا اليوم وبعد سنوات من الأستخدام، فِهم هذا البرنامج جيداً وفِهم ماينبغي علينا كمستخدمين القيام به وكيفية أستخدامه بالطريقة الصحيحة التي تنفع ولا تضر…

كم من الأعداء تربصو بوطننا الغالي، عبر نشر ممنوعات من النشر، گ مواد أعلامية ممنوعة، تصوير جهات سقوط صواريخ أعداء تصوير مواقع لوجستيه وهامة مكنت الأرهابيين وغيرهم أعداء الوطن من الضلوع والتغلغل في عمقنا الأستراتيجي والنسيج الوطني…

تصوير طائرات وصواريخ وغيرها من المواد الأعلامية العسكرية والدفاعية عن وطننا، مكنت أعداء الوطن من تحديد نقاط هامة تتمركز أعينهم عليها وتغريهم من التوغل والهجمات على أوطاننا عبر أسلحة حديثة ألكترونية كانت أو حديثة معتادة…

”مكب النفايات“

هو موقع ومكان يجمع فيه النفايات الغير مستفاد منها، والتي لو بقيت في موقعها سببت ضرر مباشر على الأنسان، وعلى البيئة وتشكلت من خلفها أخطار جسيمة على الجميع، فلو قلنا على ”الواتساب“ هذا البرنامج الشهير بأنه مكب النفاياته الألكتروني، أي أن هذا البرنامج أصبح فعلياً مكب نفايات، لبعض المستخدمين الذين لايجدون كيفية أستخدامه، ولايعون ماهي المادة التي تُرسل وتستقبل عبر هذا البرنامج، ومايفيد العموم من الناس لتستقبله في أجهزتها، وماتصنيف قراء ومستخدمي برنامج الواتساب، من الأطفال، والشباب، والصبايا، والشيوخ، والكبار…

أخطاء شائكة وقعت وسُجلت في هذا البرنامج، تحريف لبعض آيات القرآن الكريم، والسنة النبوية، تحريف لأحاديث نبوية، بث سموم ألكترونية، ومقالات وأحاديث ودردشات لاتمت للواقع بصلة، بث ونشر فضائح لأفراد ولشركات ولحكومات شكلت من كُبرى القضايا التي يتسبب بها هذا البرنامج، وبثها بالأشعات وتناولها عموم الناس…

مكب النفايات ”الواتساب“

أخرج لنا جيل جديد ”جيل ألكتروني“ أبدع في رسم الخُرافات، وتصديق الخيال والأوهام، والأبتعاد عن الواقع

كم دواء وأعشاب وخلطات عشبية روجها مشبوهين عبر هذا البرنامج، وصدقها جُهال، ونفذها أغبياء ووقعت منها ضحايا وموتى ومرضى…

كم مستشار أسري أخرجه هذا البرنامج، وهو لايمت للأستشارات الأسرية بصلة، ولايمت لدراسات المجتمع وعلم النفس وعلم طب الأسرة بصلة، وأصبح له صجة ولجة ورنة وزيطة وزمبليطة، بل هدم منازل أسرية…

كم طبيب ودكتور أخرجه هذا البرنامج، وهو غير معروف في عالم الطب ولا عالم المجتمع وليس له صلة بالواقع، وأصبح جراح عالمي تفد عشرات بل مئات الناس له ويتسابقون في حجز التذاكر والسفر له عنوة في الهند والسند…

كم مُعلم أخرجه هذا البرنامج وهو لايمت لسلك التعليم بصلة، فُعرِف بصفعة على وجه طالب، وسب وشتم وهتك للسيرة التعليمية…

كم موهوب وممثل وعازف ومروج أشاعات، أصبحت بيئته الوفيرة داخل هذا البرنامج، فهو يقتات على الأخبار وضرب المعلومات وتزييف الوقائع، ومحاولة تحريف الأرقام وصحتها، وخلطها في خلاط ألكتروني وأعادة نشرها من جديد ووضعها في قالب مكب النفايات…

كم من عالم عرفناه على هذه الصفحات الطويلة وقرئنا له قصص من ألف ليلة وليلة، وتمنينا لو أننا لحقنا على سنواته الماضية لنلتحق بركبه ولربما خلدنا التاريخ من أوسع أبوابه، كما هو أحبطنا بعلمه وأسبقيته في تدوين أسمه في غينيس للأرقام القياسية قصدي الخيالية، التي كبلت قوانا وطاقاتنا وقيدت أفكارنا، بأننا لانستطيع أن نصبح كما كان ذالك العالم الشهير…

كم مروج للأفلام الأباحية والصور الخليعة والمقاطع الراقصة والتي تنتشر من جهاز لجهاز ومن قروب لقروب ومن مجموعة أصدقاء وشباب وبالخطأ لمجموعة أسرية، تسببت بعشرات اللعنات على صاحبها في الدنيا والآخرة، والفضيحة الأجتماعية التي لحقت به…

مكب النفايات أصبح واقعاً وليس أفتراضياً كما كنا نتصور، أصبح مكب للنفايات، الساقط واللاقط والمفيد والسلبي والإيجابي، جميعهم في خلاطة الواتساب، ماذا بعد… ?!

”مُتصل الآن“

ولا ترد علي!

أخترق خصوصيات الناس، وقت راحة الفرد، وقت قرائته، وقته الأسري، أُجبر الفرد في بعض الأحيان على التعامل مع هذا البرنامج طيلة يومه، وهو لايشعر بأنه أصبح أسير لهذا البرنامج…

قرأ رسالتي ولم يرد علي !

”مكب النفايات الواتساب“

أصبح أداة صُنع مادة أعلامية، فأصبح لمن يرغب بالأرشفة من بعص القنوات الوثائقية، لربما يستطيع أرشفة مليارات المقاطع المصورة والمسموعة والمقروئة بشكل يومي، والمقالات والتقارير والتعاميم، لأعادة أستخدامها في المستقبل ”أرشيف وثائقي للتاريخ“ …

السؤال الآن أيها السادة:

س/هل لنا أن نتخيل لو قمنا بعمل فلترة لكل مايصل لنا من رسائل ومقاطع قبل أعادة أرسالها بأننا ساهمنا في رقي المجتمعات والأفراد معاً؟

س/هل لنا أن نتصور بأن الهدم الأجتماعي على فئات الصغار والصغيرات والشباب والشابات أصبح رقعته أكبر ونحن ساهمنا في زيادة هذه الرقعة عبر تداول كثير من الرسائل المغلوطة؟

س/هل نتصور بأننا تصويرنا الصواريخ والمدفعيات التي أستهدفها أعداء أوطاننا وساهمنا بنشرها ووقعت في أيدي العدو كهدف ودليل قاطع يستفيد منها في تحديد أهدافه وضرب أوطاننا ونسيجنا الوطني؟

س/هل نتصور بأننا صورنا تعاميم وخطابات سرية ممنوعة التداول وأصبح أهميتها عامة، وتسببت بأضرار للدولة وللوطن وللفرد بأفشاء سريتها؟

س/هل لنا أن نعلم بأن جزأ كبير من هذه النفايات التي نتداولها ليلاً ونهاراْ وتضج بها أجهزتنا، بأنها أصبح ضارة صحياً على العينين والفكر والدماغ والتركيز والسهر وقلة النوم؟

هل لنا من اليوم أعادة تقييم هذه البرامج، والمواد الأعلامية التي تُرسل عبره، من صورة أو صوت أو مقطع فيديو مسجل، أو ملف وورد أو ملف بي دي أف، أو أي ملف ألكتروني ينتقل بهذا البرنامج وهو غير مفيد للوطن وللمجتمع وللفرد…

هل لنا أن نتوقف عن أرسال المقاطع الفكاهية التي ليس لها قيمة معنوية أو ذهنية أو فكرية على الفرد، سوى أنها مضيعة للوقت وقيمتها من قيمة مُرسلها…

هل أنت يامُرسل الرسالة تعلم بأن كل مايتداول من رسائل ترسلها، أو مقاطع أو صوتيات، أو هوايات منبوذة أجتماعياً هي تمثل شخصيتك، وفكرك وثقافتك، وتعطي الآخر القارئ والمستقبل نظرة عن مايدور في شخصيتك وذهنك بدون أن تتحدث عن نفسك…

أنت يا مستقبل الرسائل هل تعلم بأن قبولك بمثل هذه الرسائل الغير جادة والغير مفيدة والغير منتقاة هي قبول وتصريح للمُرسل ”هل من مزيد“ …

في ختام مقالي أتمنى من الجميع مراعاة الذوق العام والذوق الوطني والأسري، وتبادل كل ماينفع البلاد والعباد ويرفع قمم المجد والعلم، بدلاً من تبادل نفايات ألكترونية مصيرها الحذف وحذف مُرسلها معها…