آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:38 ص

شيخ المؤرخين رحلة مع ذلك الإنسان

عباس المعيوف * صحيفة الوطن

رجل اختصر تاريخ واحتنا الأحسائية الطيبة المتسامحة في شرق بلدي العزيز المملكة العربية السعودية منذ ولادته عام 1355وحتى أخر أيامه لهذا العام 1439 حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في شهر شوال، واقعاً تقف الكلمات عاجزة في الوفاء أمام شيخ المؤرخين جواد الرمضان فرحيله ليس أي رحيل فقد فقدت الأحساء أحد أبرز أبنائها البارين المخلصين لترابها وتاريخها والذي قدم كل ما يملك من علم وتاريخ لكل مريده في جلسته الرسمية الأسبوعية صباح كل جمعة حيث يحضر في الغالب المهتمين في مجال المخطوطات والتاريخ والأنساب وكان مجلسه مفتوحاً للجميع الصغير قبل الكبير لم يكن جسد بل متحف متنقل ينهلون منه الغذاء الروحي قبل المعرفي لم يعرف عنه في يوم من الأيام ميله لجماعة دون جماعة فهو يقول دائما أنا مع الجميع وكلنا أخوة وأحبة وقيمة الأنسان بأخلاقه.

قدم الفقيد الكثير من الكتب منها مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين، 12 جزء. أعلام الأحساء في العلم والأدب لسبعة قرون من سنة 800 هجرية، 3 أجزاء. صحيح الأثر في تاريخ هجر. قلائد الجمال في تراجم مشائخ آل رمضان. المغانم في تراجم آل أبي المكارم. أنساب الأحسائيين. كشكول أدبي، 4 أجزاء. ديوان أحسائيات. كم استفاد من رواد مجلسه في التأليف الباحث محمد الحرز والباحث أحمد البقشي والباحث سلمان الحجي والمهندس عبد الله الشايب والكثير من المهتمين في هذا المجال.

علاقتي بشيخ المؤرخين بدأت متأخرة وكان غرضي من اللقاء معرفة بعض التفاصيل عن تاريخ وأنساب حي النعاثل الشرقي والجنوبي وكانت صدمتي بل واندهاشي من معرفته الدقيقة عن العم حسين المعيوف ورحلته العلمية البسيطة في العراق وكيف كان متعلق بحب القراءة ودماثة الأخلاق وبشاشة الوجه كل هذا لم أسمعه من أحد من أفراد أسرتي وكعادته استرسل في الحديث عن ذلك الحي وتفاصيل جدرانه وعمق أنساب أ هله وتقواهم وورعهم وفعلاً كانت نواة لكتابة ثلاثة مقالات بعنوان النعاثل حكاية خالدة.

يسمي الباحث أحمد البقشي الفقيد بالأبوة المعرفية ويقول بالتأكيد لا نفشي سراً إذا قلنا إن الجهود التوثيقية للمنطقة خلال الخمسين سنة الاخيرة هي كل على مسيرة شيخ المؤرخين فلا تعبر رسالة علمية ولا بحث تراثي او تاريخي ويريد الباحث أو الباحثة أن تكون لجهده الوثاقة والثراء النوعي. دون أن تعبر بذاكرة وجهد شيخ المؤرخين، فرحم الله تلك الذاكرة وتلك الجهود التي أثرت واغنت وأثّرت ولا زلت أتذكر قدوم الكثير من الباحثين من الكويت والبحرين والامارات وقطر ومصر وسوريا وتركيا بل بعض الاجانب خلا ما كان يرد عليه من دارسي ودارسات الاحساء والوطن وشخصيا اعتقد أن العمود الفقري في جهدي التوثيقي. قد اصيب في مقتل بفقد خزانة تراث الاحساء وسادنه.

الموت هو رحيل الجسد وتبقى الروح هي الحياة الحقيقية فرحيلك عن هذه الدنيا قضية وقت فروحك عالقة بيننا في سماء الأحساء وأرضها بنخليها ومائها بمخطوطاتها وكتبها بتراثها ومتاحفه مهما كتبنا وعلقنا نبقى مقصرين في حق هذا الرجل.

يقول الشاعر الكبير: ناجي الحرز

شقّتْ لك الأحساءُ مهجةَ مائِها... واصطفّ خلفك نخلُها محزونا!

كَبّرْ لطوفان الدموع فقد غدَتْ... كل النواحي والدروب جفونا!

وعلى البيوت سجى الأسى لما رأتْ... في اللحد حارسَ مجدِها مدفونا