آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

أداء بلدي بمعايير متواضعة

أمين محمد الصفار *

كان الشكل العام لمساجد القطيف القديمة - على صغر معظمها أو كلها أن شئت - ذا طابع عملي بسيط وجميل رغم الأقواس والزخارف التي تزين بعضها. أود هنا أن اؤشر على نقطة أراها مهمة وهي - قبل أربعة عقود تقريباً - - عدم وجود دورات مياه في «اغلب» مساجد القطيف.

كان الناس هنا تعيش في معظمها على درجة الكفاف في كل شيء تقريباً، وبما انها هي التي تبني المساجد تلك، كانت دورات المياه للمسجد تعتبر شيء زائدًا أو من الترف، حيث كان يكتفى بموقع صغير جدًا فيه عدة اباريق ماء للوضوء قبل استخدام اسلوب خزان الماء.

الانتقال إلى مرحلة بناء دورات مياه للمساجد احتاج الى نقاشات طويلة وساخنة بين مؤيد ومعارض سعي وبذل فيها الخيرون بكل ما استطاعوا بالرغم من بساطة الطلب، كانت أقوى حجة التيار المعارض لبناء دورات مياه المساجد هي أن موقع دورات المياه ليس ملكاً أو ضمن وقف المسجد وإنما هو عادة ما يكون جزءً من طريق أو أرض مشاع أو لمجهول المالك.

أن الخدمات البلدية المتواضعة الجودة كنمط وأسلوب ممنهج وكذلك بعض التصريحات والتصرفات غير الموفقة تجبر الذاكرة على تذكر مثل هذه المراحل، وكأن الهدف هو تجاهل كل أهداف رؤية المملكة وما يحدث ونشاهده من حراك تطويري، والعودة لنفس مستوى هموم مرحلة سابقة كانت فيها البنى التحتية غائبة والموارد شحيحة ومستوى التعليم والوعي ليس في أحسن حالاته. كل هذا هو رسائل سلبية للجيل الحالي وللأجيال القادمة لتخفيض مستوى الطموح والتوقعات، وكأننا لسنا ”جيلا طموحه السماء“ يحق له أن يرى خدمات بلدية ذات جودة مقبولة نستمتع ونفتخر بها كما يستمتع ويفتخر أي بلد بتفوق منتخبه في لعبة رياضية ما.

لقد شاهدنا معاناة بعض البلديات في إنشاء وإدارة وصيانة مختلف الخدمات البلدية بسبب طبيعة أرض وموقع المدينة التي تقع تحت مسؤوليتهم بل حتى طبيعة المجتمع المحلي الذي يتعاملون معه، لكن أرض القطيف فهي أرض زراعية منبسطة لا جبال تعوق ولا سيول تسيل، ولا تربة تنجرف، ولا ضخرية تمنع ولا رملية تزحف، ولا زلازل ولا اي من المشكلات التي تعاني منها مدن أخرى في المملكة، أضف لذلك ميزة وقوع المدينة بين تجربتي الهيئة الملكية للجبيل وشركة أرامكو في إدارة المدن، والمدينة الأقرب للمطار واطلالتها على مينائي الدمام التجاري ورأس تنورة النفطي من جانب والصحراء من جانب آخر. لم أر مدينة في المملكة توافرت فيها كل هذه الخصائص وكل هذا التاريخ والتراث كما هي أرض القطيف، أنها منطقة تقول للبلدية ومختلف الأجهزة الخدمية ”هيت لك“.

لعل البعض مازال يريد دراسات تثبت العلاقة بين جودة الخدمات البلدية وتأثيرها الإيجابي على الصحة العامة ومستوى التعليم والحركة التجارية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية للمدن، حسنًا نتقبل هذا وأن على مضض، لكن ليس العودة إلى مرحلة مناقشة جدوى وأهمية دورات المياه في المساجد أو سماع عبارات التنصل من المسؤولية.

أننا مازلنا ننتظر الإجابة على السؤال المؤرق والمتكرر: لماذا الأداء والخدمات البلدية بمعايير متواضعة؟