آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

جهاد النفس في غيوم الفتن

زاهر العبدالله *

قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ «69» العنكبوت

مقدمة: من أصعب وأثقل الأشياء على النفس هو: مخالفة الهوى وروح العصبية والقبلية والعادات والتقاليد التي لا تنسجم مع تعاليم الدين الحنيف فيكون هنا الاختبار الحقيقي للنفس، هل ترغب بما عند الله أم تميل إلى تعظيم الأنا الأنانية؟!

ونقف هنا مع بعض الأدلة الشرعية التي تعيننا على تحطيم روح الأنا المتكبرة المتعالية، ولنأخذ بعض صورها من القرآن الكريم والعترة الطاهرة وفق العناصر التالية:

صور الأنا الأنانية في القرآن الكريم والعترة الطاهرة.

صور تعالج مشكلة الأنا الأنانية في القرآن الكريم والعترة الطاهرة.

الخاتمة.

1 - صور الأنا الأنانية في القرآن الكريم والعترة الطاهرة.

تجد أول صورها مع أبليس عليه لعنة الله فأول ما عُصِي الله به الكبر حين أمره الله عز وجل بالسجود لآدم كما في قوله تعالى ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ «12»الأعراف.

تعليق: الشاهد في الآية [أنا خير منه] حينما جعل إبليس تقييم نفسه لنفسه وقع فيما يغضب الرب سبحانه حينما جعل أبليس «لعنه الله» الفضل والتقديم راجع للذات وقع في المحظور، وهذه الآية أجلى صورة للتكبر على أوامر الله سبحانه حيث تفرعت من هذه الصفة الذميمة صفات كثيرة سنذكرها في الروايات تباعاً.

فقد روي عن السجاد حين سأله الراهب في رحلة السبي قال له يا بن رسول الله ﷺ: أي الأعمال أفضل عند الله تعالى؟ فقال : ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك شُعباً كثيرة وإن للمعاصي شُعباً، فأول ما عصي الله به الكبر، وهو معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين.

والحسد وهو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الراحة، وحب الكلام، وحب العلو، وحب الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيا بلاغ ودنيا ملعونة» [1] 

الخلاصة:

أكبر المعاصي «الكبر والحسد» وتفرعت منها المعاصي التي ذُكرت في الرواية.

هذه صور الأنا الأنانية في الرواية أجارنا الله منها

ومن أمثلتها اليوم «الحرية» مصطلح يدغدغ مشاعر الأنا ويلبي فضولها فظاهره الجمال وفي باطنه العذاب، هو خيط من خيوط إبليس طبعاً بمفهومه السلبي، فالحرية الحقيقية هي التي تقف عند حرية الآخرين فلا تتعداها ولا تتجاوز حُدودَها وقد بينها مولانا الإمام السجاد في رسالة الحقوق، فلا يوجد في العالم من يمارس الحرية بمفهومها السلبي وهي اطلاق العنان للفرد في ان يعمل ويقول مايشاء.. لماذا؟

لأن جميع شعوب العالم يحكمهم القانون الذي يحفظ الحقوق والحريات ويكفل عدم التعدي عليها، فكل دولة لها ميثاقها وقانونها المبني على مرتكزات العقل والمتوافق في كثير من جوانبه مع الفطرة السليمة، وهذا القانون أيضاً يؤكد عليه الفكر الأسلامي من خلال القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم أفضل الصلاة والتسليم الذين هم أمناء الله على خلقه وخلفائه على بريته وأعلم الناس بصلاحهم وفسادهم، لماذا؟ لأن الله تفضل باختيارهم واصطفائهم. فوضعوا القوانين التي تنظم حياة الفرد والمجتمع وتكفل حرياتهم وتتكفل عدم التعدي عليهم.

وغيرنا أيضاً من الفرق الأسلامية يدعي أنه يحفظ الحقوق والحريات بالقرآن والسنة المطهرة وما أجتهد به العلماء، فعلى أي حال فنحن مثل غيرنا من الأمم يحكمنا قانون ينظم حياة الفرد والمجتمع ويحفظ الحقوق مثل بقية دول العالم.

لكن مع شديد الأسف تحت عنوان الحرية نجد بعض الفتيات وجدت بُغيتها وضالتها في التحلل والبعد عن الحجاب لأن الأنا تقول لها هذه قيود يجب التخلص منها وهذا مما يدمي القلب، وبعض الشباب ترك أوامر الله وغرق في ملذات الدنيا ليتخلص من قيود الحرام الشرعي.

أما الشباب المثقف تحت هذا الشعار بدأ يكتب ويقيّم ويعترض وينتقد ويضرب بسوط قلمه وصوت حنجرته هذا التخصص وهذا العالم وذاك الوجيه وذاك المهندس وذاك الطبيب وغيره دون احترام للتخصص تحت مسميات الرأي والرأي الآخر فأعطى لنفسه حق النقد في كل شيء دون استثناء ودون قيود أو حدود.

نعم أن للنقد طرق ومناهج علمية لو اتبعها الفرد فلا مانع من ذلك. ولكن من يتابع المشهد الثقافي يلاحظ أن هناك حالة غليان وثورة ضد طلبة العلم ووضعهم جميعاً في خانة النقد سواء كان هذا النقد مبني على مبرر عقلائي أم لا! وهذا ظلم صريح لا يرتضيه عاقل فضلاً عن عالم، فعلينا الفرز والفحص والتدقيق والحذر والخوف والتقوى من الله سبحانه وتعالى في أقوالنا وأفعالنا وأننا سنُسأل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة فعلناها في هذه الدينا كما قال تعالى ﴿وَقِفوهُم إِنَّهُم مَسئولونَ24 الصافات

ومن الأمور التي ينبغي الحذر منها التعالي بالنسب الشريف للنبي الأعظم محمد ﷺ وسلّم أو بعلوا العلم على الآخرين، لإنها من صفات الكبر والغرور والغلو في الذات والتي يحرمها وينبذها ويذم صاحبها الشارع المقدس. فعلى الجميع اتخاذ الطرق السليمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الموضحة في الرسائل العملية للمراجع العظام.

فلو اُبتُلى مجتمع طلاب العلم بمرض الكبر والغرور والحسد من كلا الطرفين لأحدث أزمة نفسية في المجتمع بسبب مايراه من تمزق وتفكك نتيجة اختلافهم فيصاب المجتمع بصدمة، مما ينعكس سلباً على شخصية المجتمع واهتزاز صورة القدوة في ذهنه حين يرى التنازع بينهم، فيتخذها من غلبت شهوته عقله ذريعة لإتباع شهواته والركون إلى أهوائه.

تعليق مهم جداً:

ان مجتمع الطلبة حفظهم الله مثل أي مجتمع في مختلف التخصصات فيه الغث وفيه السمين، فالشباب الواعي المدرك لا يظلم جميع الطلبة بجريرة أحد منهم، بل نأخذ من المحسن ما أحسنه ونجتنب عن المسيء ولا نحتقره، فيكفي عدم أخذ معالم الدين منه، ولعل البعض يقول كيف أعرف من أين آخذ معالم ديني؟

الجواب: يكون من طريقين:

الطريق الأول[إحمل أخاك المؤمن على أحسنه] بقاعدة حسن الظن في أخيك المؤمن فما بالك لو كان أحد طلبة الحوزة، إلا إذا صدر منه ما يخالف الله ورسوله ﷺ وسلّم وأهل بيته أو رأي المرجعية الرشيدة.

والطريق الثاني سؤال مرجع التقليد الذي ترجع إليه

فتقول له: ممن نأخذ معالم الدين في المنطقة؟ وهذا الموضوع مُتيسر اليوم.

2 - صور تعالج مشكلة الأنا الأنانية في القرآن الكريم والعترة الطاهرة

لنعالج هذه الصفة الذميمة علينا بالرجوع لطبيب القلوب وربيعها القرآن الكريم وحملته وهم العترة الطاهرة

قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 13 الحجرات.

التقوى هو أساس الكمال ولا تتم التقوى إلا بالتواضع ولين الجانب والخلق الحسن والذكر الطيب كما قال أمير الموحدين وهو يصف المتقين «بشره في وجهه وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدرا وأذل شيء نفسا، زاجر عن كل فان، حاض على كل حسن، لا حقود ولا حسود، ولا وثاب، ولا سباب، ولا عيّاب، ولا مُغتاب، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل الغم، بعيد الهم، كثير الصمت، وقور، ذكور، صبور شكور» [2] 

قال النبي صلّى اللّه عليه وآله «إن أحبكم إليّ، وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً، أحسنكم خُلُقاً، وأشدكم تواضعاً، وإن أبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون وهم المستكبرون» [3] 

وعن الصادق عن أبيه عن جده قال: " «وقع بين سلمان الفارسي وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخِري وآخِرُك فجيفة منتنة، فاذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خفّ ميزانه فهو اللئيم» [4] .

فالتواضع من سيماء الصالحين الذين يخافون الله سبحانه وتعالى في السر والعلن.

3- الخاتمة:

علينا يا أحبة وأنا أولكم أن نتخلص من غرور النفس التي تحمل في طياتها حب الذات والقبيلة والعشيرة والعادات والتقاليد التي تنافي روح القرآن والعترة الطاهرة ونحترم التخصص في مختلف ميادين العلم والمعرفة ونعرف من أين نأخذ معالم الدين الحنيف.

[1]  أصول الكافي في باب ذم الدنيا وزين العابدين للمقرم ص 152 وأئمتنا لعلي محمد علي دخيل ص 304.

[2]  شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج 9 - الصفحة 137

[3] كتاب قرب الاسناد، وقريب من هذا الخبر ما في علل الشرائع للشيخ الصدوق.

[4]  البحار مجلد 15 ج 3 ص 124 عن أمالي الصدوق.