آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

المقارنة.. الزور

محمد أحمد التاروتي *

يتجاهل البعض نقاط الالتقاء مع الطرف الاخر، حيث يركز على الاختلافات الهامشية، بغرض توجيه السهام المسمومة للغريم، خصوصا وان الإقرار بالقواسم المشتركة، يفقده السلاح الذي يرفعه دائما، في وجه الغريم، وبالتالي فانه يحرص على نبش التاريخ للبحث عن الهفوات الصغيرة، بغية تضخيمها بشكل غير مسبوق، بالاضافة للتركيز على أمور عفى عليها الزمن، من اجل إلصاقها زورا وبهتانا، بمعنى اخر، فان الخلافات التكتيكية والهامشية، سرعان ما تتحول الى فراق استراتيجي، مما يفرض اللعب بمختلف الاوراق في الصراع المستعر.

البحث عن نقاط الاختلاف مع الشريك، ينعكس بصورة مباشرة على محاولات جادة، لتقريب وجهات النظر مع العدو المشترك، خصوصا وان المصلحة الحالية تفرض التغاضي عن الاعتداءات السابقة، نظرا لوجود خصم مشترك يفرض توحيد الجهود لهزيمته، اذ تبدأ عملية تبيض صفحة العدو التاريخي بشكل تدريجي، بغرض إيجاد الارضيّة المناسبة للقبول اجتماعيا، لاسيما وان التاريخ الماضي يعج بمفردات قاسية، على ضرورة استمرارية العداء، ورفض مختلف اشكال التعايش المشترك، وبالتالي، فان التحولات التكتيكية في التفكير المصلحي، تستدعي وضع العداوات جانبا، من اجل التفرغ للعدو الساعي للقضاء على الجميع.

استدعاء بعض الاحداث القريبة، ومحاولة ربطها بالخصم الجديد، تمثل احد الأدوات الأكثر تأثيرا، في اثارة الرأي العام، وزرع الكراهية في النفوس، وبالتالي فان المساعي الجادة لإعادة الود والوئام، للعلاقات المتوترة تذهب ادراج الرياح، نظرا لوجود نظرة سلبية تجاه مختلف الممارسات السابقة، فضلا عن التخوف والشك من التحركات المستقبلية، بمعنى اخر، فان وضع المجتمع في فوهة المدفع تجاه بعض الخلافات الهامشية، يولد حالة عدائية يصعب السيطرة عليها، مما يستدعي وضع الامور ضمن السياق الطبيعي، والحيلولة دون تحولها الى ثقافة اجتماعية عامة.

الخطورة تكمن في عمليات التزوير المكشوفة، التي يمارسها بعض الاطراف، والتلاعب في الاحداث التاريخية، من اجل تجييرها باتجاهات محددة، فالبعض يقوم بدور خطير في تشويه الخصم التكيتكي، وتبيض صفحة العدو الاستراتيجي، اذ يتناسى التاريخ الدموي للعدو مقابل الحصول بعض التصفيق، والمديح الآني، وبالتالي، فان محاولات التزوير المقصودة، تهدف الى تحويل الخصومة التكتيكية الى الاستراتيجية، من خلال التركيز الدائم على الهفوات الصغير، فضلا عن الاخطاء الكبيرة، الامر الذي يفسر الاصرار على الصاق بعض المسميات البغيضة على الخصم، فيما يجري تداول العدو الاستراتيجي وفقا للأسماء المتداولة.

احيانا المقارنة بين الخصم المؤقت والعدو الدائم، تكون ظالمة وتحمل الكثير من التجني، نظرا للاختلاف الكبير بين الطرفين، فمهما بلغت الخلافات مع الخصم المؤقت، فانها لا تصل الى نقطة، في بحر الاختلافات مع العدو الدائم، خصوصا وان إمكانية عودة المياه الى مجاريها مع الخصم المؤقت ممكنة، فيما يصعب التلاقي مع العدو الدائم، نظرا لوجود فوارق عديدة يستحيل تجاوزها على الاطلاق، مما يتطلب ترك الزور والبهتان جانبا مع الخصم المؤقت، والتركيز على العدو الدائم، خصوصا وان نقاط الالتقاء اكثر من نقاط الاختلاف.

كاتب صحفي