آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 12:36 م

الحلم.. الحقيقة

محمد أحمد التاروتي *

المسافة الفاصلة بين الاحلام والحقائق كبيرة، ويصعب قياسها، نظرا لاختلاف الحسابات، وكذلك صعوبة وضع مفرادات، قادرة على تحديد الثغرة بين الطرفين، فالمرء الذي يعيش في عالم الخيال، يبقى منفصلا عن الواقع المعاش، مما يجعله غير قادر على التأقلم مع معترك الحياة، خصوصا وان الاحلام تحلق بصاحبها بعيدا عن الواقع، عبر نسج قصص، ومغامرات غير قابلة للترجمة على ارض الواقع، بمعنى اخر، فان السير وراء الاحلام يخلق حالة من الانفصام، مما يتطلب تدخلا علاجيا، لاعادة الامور للوضع الطبيعي.

التعلق بالاحلام مرتبط بحالة من الانهزامية، واحيانا نوعا من الانعزالية، فالبعض يجد في الاحلام سبيلا للهروب من الواقع الصعب، مما يدفعه لانتهاج طريقة خاصة، لاحداث نوع من الرضا النفسي، فهذه الشريحة تدرك استحالة ترجمة تلك الاحلام في الواقع المعاش، خصوصا وان الصدمات النفسية، واحيانا التعرض لتجارب فاشلة، تكون احد العوامل للتعلق بالاحلام، باعتبارها الوسيلة الاكثر قدرة، على تحقيق الانتصارات الوهمية، نظرا لصعوبة الخروج من حالة الانهزام النفسي، الناجم عن الصدمات الاجتماعية، لاسيما وان البعض يتحرك باتجاه رسم عوالم الاحلام، بعد اصطدام بعض المشاريع الخاصة، بالرفض من البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان العملية ليست ناجمة عن اشكالية حقيقية في الطرف المقابل، بقدر ما تتمحور في الحالة الانعزالية لدى صاحبها.

التعويل على الاحلام في قلب الواقع الحياتي، بمثابة السير وراء السراب، خصوصا وان الاحلام لا تعدو عن كونها خيالا، ينطلق من حالات نفسية، فالعقد النفسية يتم تصويرها على شكل عالم عجيب، وغير منسجم مع المنطق العقلاني، اذ تصبح بعض الامور الاسطورية الى شخصيات حقيقية، مما يدفع البعض لتصويرها، على كونها حقائق على الارض، بمعنى اخر، فان الصدمة النفسية تشكل المحرك الاساس، وراء نسج الخيال غير المتناغم مع الواقع الحياتي، الامر الذي يستدعي قطع هذه الاحلام، بواسطة وضع برامج قادرة، على انتشال مرضى ”الصدمات النفسية“، من عالم الاحلام الى معترك الحياة، بهدف قطع الطريق امام المزيد من ضياع هذه العناصر، بعرض الاستفادة منها للمساهمة في مسيرة المجتمع.

استيعاب الحقيقة المرة اجدى من خداع النفس، باحلام غير قابلة للتطبيق، فالمرء الذي يتحرك باتجاه معاشة الواقع، والتغلب على الاحباطات، وكذلك الصدمات العديدة، بامكانه التخلص من ”لعبة“ الاحلام، والانطلاق باتجاه الواقع، لاسيما وان تعطيل العقول باحلام وردية، يشكل خسارة كبرى، مما يتطلب ايجاد حالة من التوازن بين الاحلام والواقع، فالاغراق في عالم الاحلام، يفقد الانسان القدرة على التحرك، وفقا لمقتضيات عمارة الارض، فالحياة بحاجة الى المثابرة، والعمل الدؤوب، في سبيل الوصول الى الهدف المنشود.

بطبيعة الحال، فان الاحلام ليست مذمومة على الاطلاق، فهناك الاحلام التي تشكل حافزا للانطلاق، باتجاه النجاح ورسم المستقبل، فالمرء الذي يضع مجموعة اهداف تبدو احلاما صعبة التحقيق، بامكانه التغلب على تلك العراقيل، وازالة جميع الصعوبات، عبر العمل المستمر، بخلاف الاحلام المعطلة للارادة القوية، التي تعزز الانهزامية، والانعزالية عن المجتمع، فهذه النوعية من الاحلام ليست محمودة على الاطلاق.

كاتب صحفي