آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:25 ص

النظام.. المحاباة

محمد أحمد التاروتي *

يمثل النظام الفيصل الحاكم في مختلف الامور، باعتباره المرجعية الاساسية التي تسير القضايا، والمظلة التي تحتضن الجميع، اذ لا يوجد فرق بين فقير وغني، وبالتالي فان الانتقائية في تطبيق النظام على شرائح دون اخرى، يمهد الطريق امام استشراءالفساد في جميع مفاصل المجتمع، مما يولد حالة من الانقسام الاجتماعي، جراء وجود تفاوت في تطبيق النظام.

غياب النظام يحدث اثارا سلبية، ويكرس حالة الضياع في المجتمع، نتيجة المحاباة في تنفيذ النظام، خصوصا وان تجميد تنفيذ المساواة امام القانون، يساعد على استمرار العمل على الالتفاف على النظام، بمعنى اخر، فان الكلمة الفصل تكون لاصحاب النفوذ، نظرا للإمكانيات المتاحة لاختراق مختلف الانظمة، بحيث ينعكس بصورة واضحة على جميع المعاملات، اذ لا يقتصر تجاوز النظام على قضايا دون اخرى، مما يجعل المحرمات مباحة، وغير مستهجنة على الاطلاق.

المحاباة مرض خطير يسري في جسد المجتمع، خصوصا وان الانتقائية في تطبيق النظام، يكرس العناصر الفاسدة، مما يمكنها من الاستيلاء على مقدرات المجتمع، من خلال إيجاد الاليات لممارسة الاستئثار على الاملاك العام، الامر الذي يفسر الثراء الفاحش بين ليلة وضحاها، بيد مجموعة من العناصر، نظرا لغياب اليات المساءلة، وعدم القدرة على المحاسبة، جراء المحاباة غير المتوازنة في تنفيذ النظام، على هذه النوعية من الشخصيات غير الكفوءة.

انعدام تكافىء الفرص، وتواري الكفاءات عن الواجهة، والبقاء في الظل على الدوام، يمثل النتيجة الطبيعية لاعتماد المحاباة، في اختيار الشخصيات للمناصب القيادية، خصوصا وان تقديم العناصر غير الكفوءة، يخدم ارباب الفساد على الدوام، بخلاف العناصر الكفوءة التي تقدم المصالح العامة على المكاسب الذاتية، الامر الذي يفسر الاختلاف الكبير في الأداء سواء في العطاء او الالتزام، بمجرد وجود الشخصيات القيادية الكفوءة، بينما يكون التقهقر والتأخر العنوان الابرز، في استلام دفة القيادة عنصر غير كفوء وفاسد.

سيطرة المحاباة والانتقائية في تطبيق النظام، مرتبطة بالثقافة السائدة، فهذه النوعية من الثقافة نتاج لعمل طويل من اصحاب النفوذ، الامر يجعل الفساد امرا اعتياديا وغير مستغرب على، فيما يكون الالتزام العمل الشاذ، وبالتالي تتحرك بعض الجهات المستفيدة، لإقصاء العناصر الملتزمة، نظرا لما تمثله من خطورة كبيرة على مصالحها، بحيث تحاك الدسائس والمؤمرات، للايقاع بتلك العناصر الملتزمة، فضلا عن تعطيل جميع الاعمال بطرق مختلفة، من اجل ابقاء الفوضى وتجاوز النظام قائما.

ازاحة المحاباة من الثقافة الاجتماعية، ليست سهلة وتتطلب انقلابا جذريا، في العقلية السائدة، لاسيما وان المحاباة يمثل جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، وبالتالي فان القضاء على الممارسة اليومية، ليس سهلا على الاطلاق، نظرا لوجود أطراف عديدة ستقف بالمرصاد، لمختلف التحركات الداعمة، لتطبيق النظام على الجميع، بمعنى اخر، فان وقوف اصحاب النفوذ جنبا الى جنب مع الاخرين، امام النظام ليس مقبولا، خصوصا وان تلك العناصر ستفقد مختلف المزايا السابقة، الامر الذي يدفعها لمحاربة هذه النوعية، من الثقافية الساعية، لاقتلاع المكاسب الكبيرة، التي تحققها نتيجة التلاعب بالنظام وفقا لمصالحها.

كاتب صحفي