آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

فاعلية المنبر الحسيني

ما إن تطرح كلمة التجديد حتى تثور ثائرة البعض خوفا على المضمون من التشويه والتلاعب والتمييع كما يدعي، ولذا ينبري بصوت عال يدعو لوأد كل طرح أو مناقشة تقارب هذا الموضوع، وتحاول أن تتناوله ببعض ما يدور في عقول البعض ومنتديات تحضر بمجموعة من الأفكار والإشكالات، منتظرين أن يسمعوا ما يشفي تساؤلاتهم ويغذي معلوماتهم.

أصل المناقشة والحوار والأطروحات - مهما شرقت أو غربت - مبدأ قرآني نوقشت فيه أفكار بدهية تتعلق بأصل عقائدي مهم وهو وجود الله تعالى وتدبيره لشئون عباده وغيرها من المدامك العقدية الداخلة في صلب القيم الدينية، أفلا يكون كتاب الله تعالى دستورا في طرح التطوير المنبري على طاولة التداول، بما يحقق النفع الأكبر للمستمعين؟! وفي سيرة رسول الله ﷺ والأئمة الأطهار والفقهاء العظام ما يؤكد على مبدأ التحاور والطرح المنطقي، فلم صد الباب وإغلاقه أمام طرح مجرد تساؤلات أو تعليقات لا يضر الأخذ بما هو صالح منه وترك الآخر؟

المنهج الحوزوي والأكاديمي يتفقان على منشأ التطور والتوسع في العلوم من خلال منهج التساؤل والردود والمناقشات حتى يتم تأصيل مبدأ ما؛ لينبري العلماء لبرمه ونقضه من جهات معينة والزيادة عليه وتجود القريحة بمواضيع جديدة ذات صلة بها.

والإثراء المعرفي والثقافي أحد روافده المهمة هي تلك المناقشات المتداولة حول موضوع ما، يتم من خلالها تأصيل العنوان وتنقيح تقسيماته وعناصره ومتعلقاته، وتخرج لنا من بعدها تلك البحوث الفقهية والعلمية والأصولية والتقنية والفلسفية وغيرها.

هذه النقطة - حق النقاش - لابد من التوقف عندها والاتفاق حول تشكيلها أحد الحقوق لكل فرد، فالقناعات لا تزع أو تزرع في العقول كرها وجبرا، وتكميم الأفواه وإخراس الأصوات وانقطاع الخطاب لا يتم بممارسة العنف الكلامي، بل هناك طريق منطقي يفصل بين الجميع ألا وهو الاستناد إلى الاستدلال والتوثيق بما هو مجال للعقل البشري ويدركه.

النقطة الثانية: تحرير موضع النزاع ومكمن الخلاف:

ومن يخاف على اللحمة المجتمعية من التفكك والاختلاف بسبب الأفكار من هنا أو هناك، يسد باب أي مناقشة ويدعو للحفاظ على التراث كما نقل إلينا، والاقتصار على الأسلوب المعتاد المتفرع من قاعدة «الحسين عبرة وعبرة»، فيقسم المجلس إلى جانب وجداني يحرك المشاعر العاطفية الواعية، والتي تواسي العترة الطاهرة في مصاب شهادة السبط الحسين وأنصاره في كربلاء، والجانب المعرفي يتعلق بمحاضرة تتضمن بيان الفضائل والأهداف والسيرة العطرة للمعصومين، مع تضمينها شيئا من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.

وطرف آخر يريد مراعاة المستمع والمتلقي في زماننا بما يحمله من خلفية علمية وثقافية، ومراعاة فضاء إعلامي ووسائل تواصل، أبرزت الكثير من القضايا والظواهر والشبهات والإثارات الثقافية والاجتماعية المسيسة بعقول الناس وحياتهم، وتحتاج إلى خطاب رصين يعتمد مبدأ التحليل والاستعراض المشوق والتسلسل الجذاب، وفحوى محاضرة تناسب مستواهم الثقافي والتعليمي وتقدر ما تقدمه إليهم وسائل تواصلهم من أفكار ومواضيع.

فمن غير المعقول أن يتم التطرق إلى مواضيع مكررة قد أكل عليها الدهر وشرب، أو يكون موضوع المحاضرة مهلهلا لا يحوي سوى قصة من هنا وحديث مجالس سطحي من هناك، فيكون الجو الثقافي والتواصل الإعلامي بين المستمعين وما يهمهم من قضايا في جهة، والخطيب يسهب في حديث لا يلقى له أذنا صاغية ولا نفوسا تتقبل مستواه الضعيف!!!

وهناك فئة لا تريد سوى تسجيل وجود أو شهرة إعلامية من خلال طرح المثير بأسلوب هجومثي لاذع بعيد - كل البعد - عن المنطق والعقل، فيحاول تقزيم واستصغار المنبر والخطباء ورميهم جزافا بالتهم، ويريد أن يقدم نتيجة مفادها منابرنا خاوية عقيمة!!!

بلا شك أن عطاء المنبر الحسيني العظيم الهادف لخلق الشخصية الحسينية عبر الزمان، فيما يحمله من أهداف وقيم الاستقامة والكرامة والتضحية والشجاعة والإباء والفهم الرشيد للأحداث، والمنبر مدرسة يتحلق من حوله المؤمنون لتلقي مثل هذه الدروس والعبر المكونة لجنبة القوة في شخصياتهم وقدراتهم الفكرية والمناعة السلوكية، وهذا بالتأكيد يحتم امتلاك المنبر لمقومات تتناسب مع هذه الأهداف.

وكل فكرة وومضة يمكنها أن تمثل إضافة وتقوية لحضور الخطاب الحسيني، وما لا يتلاءم معها يمكن مناقشته ورده، وأما الفقاعات الموسمية الفارغة فلا تستحق التفاتا لها، بل تواجه بمخرجات المنبر الحسيني بإنتاجات ثقافية زاخرة وثرية بالمعارف.