آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

عاشوريات «2»

محمد أحمد التاروتي *

تلخص زيارة ”وارث“ المسلسل التاريخي للحركة الاصلاحية الالهية، فهي تنطلق من نبي الله ادم وتنتقل الى النبي نوح وتواصل حركتها ببنوة ابي الانبياء ابراهيم الخليل وتزحف باتجاه كليم الله النبي موسى وتصل عند روح الله النبي عيسى وتختتم بافضل الرسل والانبياء محمد ﷺ.. هذه الزيارة تكشف العلاقة العميقة والكبيرة بين رسالات السماء وحركة سيد الشهداء ، فالتسلسل التاريخي يهدف لوضع النقاط على الحرف، بشأن مرامي وغايات النهضة الحسينية الخالدة، في ارض الصمود والاباء كربلاء.

الوقوف على زيارة ”وارث“، يعطي الباحث صورة ناصعة البياض، عن الترابط الوثيق بين رسالات السماء، منذ ادم ، وحتى الرسالة الاسلامية، بقيادة سيد الرسل ﷺ، بمعنى اخر، فان تأطير معركة كربلاء ضمن النطاق الجغرافي الضيق، او تحجيمها ضمن السياق التاريخي المعروف، يمثل اجحافا كبيرا لابعاد واهداف معركة الطف، لاسيما وان الصراع لم يكن سلطويا او دنيويا كما يحلو للبعض تصويره، ”صراع على السلطة“ او البحث عن المغانم الزائلة ”الخلافة“، لاسيما وان عملية الوصول الى السلطة، لا تتطلب سوى المداهنة، بهدف ركوب الموجة، لتحقيق بعض الاغراض، ”مثلي لا يبايع معه“.

الترابط الكبير بين حركة الانبياء على مر القرون السالفة، ليس خافيا على الجميع، ولا يحتاج الى الكثير من الجهد، بقدر ما يتطلب وقفة واعية، فالانبياء يتحركون باتجاه انقاذ البشر من الضلال، واعادة الاقوام الى الفطرة والجادة الصحيحة، بعد تلوثها بمفاتن الدنيا، ”إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ“، وبالتالي فان الهدف الاسمي للرسالات السماوية، يسير باتجاه محدد وواضح، لاعادة البشر الى عبادة الخالق، وتصحيح الكثير من المعتقدات الخاطئة، التي اصيب بالعفن جراء الممارسات غير السليمة.

التكامل بين رسالات الانبياء، ورسالة عاشوراء، يمكن استكشافه في الاشعاعات المستمرة، لهذه الحركة الحسينية منذ مصرعه الشريف ، حيث بدأت تموجات هذه المعركة تأخذ مداها في مختلف الاتجاهات، الامر الذي ساهم في احداث مراجعة شاملة، لدى العديد من المجتمعات البشرية، من خلال اعادة ترتيب التفكير بما ينسجم مع رسالة كربلاء، بحيث تمظهرت على شكل احتجاجات تارة مسلحة، واخرى فكرية، بمعنى اخر، فان عملية الترابط الوثيق، بين اهداف الرسالات السماوية، وغايات النهضة الحسينية، تلخصها بعض المفردات الواردة في زيارة ”وارث“، فالحسين لم يخرج قيد انملة عن ترجمة، ماهية الرسالات الالهية، خصوصا وان التجربة البشرية على مر العصور، تكشف الانتكاسة السريعة للفطرة الانسانية، مما يستدعي احداث صدمة كبرى، تعيد العقول الى توازنها مجددا، نظرا لسيطرة الاهواء على المبادئ الالهية، التي بشر بها الانبياء .

الحسين حمل على عاتقه مواصلة مسيرة الانبياء ، عبر تفجير معركة لم تقتصر تموجاتها، على بقعة جغرافية ضيقة، وانما تجاوزت الاطار الجغرافي، لتخترق الوجدان الانساني، فضلا عن اصلاح الاعوجاج، الذي بدأ يطل برأسه، في مسيرة الامة الاسلامية.

كاتب صحفي