آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

من الجيد ان تجد مانديلا وغاندي في ذاتك وكذلك الحسين

المهندس أمير الصالح *

في يوم العشرين من شهر صفر من العام الماضي اي يوم تجديد ذكرى الاربعين لاستشهاد الحسين ، صادفت تاريخ زيارة لي ولصديقي احمد السياحية لعدة مواقع في مدينة جوهانسبرغ وتخومها. حيث زرنا موقع مهد البشرية حسب الأحافير الجيلوجية cradle of humankind ومنتزه الاسد والسفاري المفتوح lion & Safari Park وختمنا الجولة بزيارة للمنزل الاول لـ المناضل الحقوقي الاسطورة الراحل نيلسون مانديلا «الذي يلقب ب Madiba بلغته المحلية / التي تعني اب الامة». المنزل يقع في شارع Vilakazi ب حي اورلاندو الغربي ب منطقة سويتو بمدينة جوهانسبرج.

شاهدنا في جنوب افريقيا احتفاء كبير بكل ما يُمجد السيد نيلسون مانديلا وباشكال وانماط مختلفة. فكل عملات النقد الورقية طُبعت عليها صور المناضل نيلسون مانديلا. وفي كل مدينة زرناها سجلنا وجود ميدان مفتوح باسم مانديلا Mandela Square. وهكذا الامر سجلناه في اسماء بعض الشوارع الرئيسيّة بالمدن الجنوب افريقية وكذلك إسماء بعض المهرجانات وبعض المرافق الخدمية وبعض الاحياء وبعض المدارس وبعض الأجنحة بالفنادق والقاعات والملاعب تحمل اسم مانديلا تيمنا باسمه. وسجلنا العديد من الكتب مؤلفة وموجهة تخليدا لشخص المناضل مانديلا. وشاهدنا تناثر صور الرمز المناضل الافريقي في معظم بنايات المكاتب بالمدن التي زرناها ومطاراتها. ولعل المتابع للاعلام المحلي هنالك يسجل كثير من حلقات النقاش السياسي المقارن التي تسلط الضوء على جوانب من حياة او عطاء او اراء مانديلا وايضا يرى المتجول وجود تماثيل خشبية في اروقة بعض محلات الهدايا وصوره مطبوعة على القمصان «تي شيرت» وبعض المقالات تغطي كل صور ومقولات ومسيرة حياة مانديلا الرمز.

حُول منزل مانديلا وسجنه وقبره ومواقع زارها او حيثما وطئت قدماه في جنوب افريقيا الى مزارات يقصدها السياح والباحثين والمعجبين والزوار.

استحضرت، في هكذا عجالة، الحديث المنسوب الى النبي ﷺ: «جاهدوا تورثوا أبناءكم عزا». فقلت سبحان الله: صمود الفاضل مانديلا وثباته في مفردة واحدة من مفردات القيم الانسانية الا وهي المطالبة بالعدالة الاجتماعية أعقبه حب في قلوب ملايين البشر على مستوى العالم واجيال متعاقبة.

دار في رأسي مجموعة اسئلة عن حياة ذاك المناضل وعن اغفال حكومة التمييز العنصري انذاك عن تصفيته وعن ظروف معيشته واحتمالية اختراق من حوله حينذاك لتصفيته. وهكذا دعاني هذا التامل استطرادا للمزيد من القراءة عن هذا حياة المناضل مانديلا وتلكم الحقبة.

في اليوم التالي وحيث اني في طريق الرجوع لموطني، كنت في القاهرة كمحطة ترانزيت لبضع ساعات فقصدت مسجد سيدنا الامام الحسين واستحضرت نفس المفاهيم والقيم التي نطق بها الحسين من مقاومة الجبروت ومقارعة الاستفراد على مقدرات الامة والسعي الصادق لـ الاصلاح في اُمة جده الرسول وتعزيز احترام الحقوق الانسانية والسعي لحفظ كرامة الانسان والعيش في الدنيا بحرية. وجدت ان المناطق المحيطة بالمسجد بحي الحسين حيث مدفن رأس الامام الحسين «حسب بعض الروايات التاريخية» قد استثمر سياحيا فقط ولم استشعر مقارنة بنفس درجة الحفاوة للحسين بالقاهرة كما لمانديلا في جنوب افريقيا. وان عناوين الاسم ومدلولاته حوصرت في المكان الذي دُفن فيه الرأس واخفي او اختفى عن عامة الناس مقولات ومفاهيم النهضة الحسينية التي تزرع الثقة بالنفس والعزة والكرامة وحسن الحفاوة ب دماء الشهداء. هنا يستشعر الانسان ان مشاريع الوعي ومطالب النهضة بالانسان والسعي للحرية الصادقة تختلف التفاعل معها من مكان لمكان آخر. فهل الانسان هناك غير الانسان هنا؛ نحن مازلنا في نفس القارة اي في افريقيا.

كنت اتسأل هل هو الاعلام ام هو الانسان ام هي المصالح والاهواء او العرق التي تقبل هذا وترفض ذاك من اصحاب القيم؟!

عجيب امر ذلك الانسان، يتغنى بقيم وبمعنى ومفهوم وفي ذات الوقت يزهد في ذات القيم والمعنى والمفهوم لمجرد اختلاف مصدره او قائله او لوجود بعض المسميات الملحقة به او الجغرافيا التي تنبع منها او... او....!!

فأضاع البعض من الناس الحسين كقدوة ورمز ووجدوا مانديلا وغاندي وهايدغر ونيتشه. وقد يكون هناك من اضاع الجميع وقد يكون هناك من الناس من اضاع ايضا قيمة وجوده وليس مفردة قيم واحدة او رمز.

وكنت اتسأل، عالم اليوم يضج ب رمزية نيلسون مانديلا في محاربته لـ التمييز العنصري ولغاندي في رمزيته لمقاومته للاحتلال بدون الاستعانة لاساليب العنف ولكن في الاعلام العالمي لايرمز للحسين بن علي باي رمزية محددة ك علامة فارقة ومسجلة اثناء التغطيات البحثية او الاخبارية، فما هي الاسباب؟!

اعتقد شخصيا ان هذا التساؤول

- هل فشل بعض اتباع الحسين في ترويج مبادئه ونشر القيم التي ضحى من اجلها بطريقة ناجعة؟

- هل التقوقع الداخلي والانطواء والاكتفاء بلوم العالم لعدم تقدمهم لمعرفته مبادئ الامام الحسين هو السبب؟

- ام انه لا هذا وات ذاك بل ان بعض اتباع الحسين مازالوا مشغولين في النقاشات الجدلية تاركين الدعوة في التبليغ لمبادئ جد الحسين بتوحيد الله وحده ومقارعة ربوبية الافراد

وصم الاخربن بالجهل اذا لم ينجح ابناء فكرة او مبدأ معين في التسويق له وحسن العرض لجميل قيمه او القيم التي يدافعون عنها بحياتهم، امر لا يعتنا به واقعيا!

وهل يحق لنائم ان يلوم الاخرين الذين سعوا وسوقوا لنشاطهم وقيمهم ورموزهم وإنتاجهم وافكارهم واوطانهم وبرامجهم؟!

وهذا يذكرني بكلام يُنسب لـ الشيخ مرتضى مطهري في قضية ثورة الامام الحسين ع: بقوله: ”استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات..... أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد البعض من أهل....، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم...... فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير وخرافات...... ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها....“

في المحصلة، نشيد بكل خطيب واع ومثقف مسؤول ومتعلم ورع واعلامي حريص ومبتعث خلوق في سعيه الحثيث لابراز محاسن رموزه واهل مبادئه. عاشوراء الحسين وذكرى هجرة النبي محمد ﷺ هما من الفرص المتجددة لإقامة جسور مع ابناء كل الثقافات والديانات والايدلوجيات ذات المخزون الانساني والحضاري؛ ويفترض ان كل القيم التي انطلق لحمايتها او ترسيخها العظماء من ابناء كل الامم يجب احترامها وليس الاستخفاف بها او تفتيتها او تجاهلها او تميعها لانها مكسب للبشرية كافة ودساتير صيانة لحقوق للانسان وكرامته.