آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

عاشوريات «5»

محمد أحمد التاروتي *

لعب الشعر الشعبي والفصيح دورا محوريا، في القضية الحسينية منذ البدايات، باعتباره الوسيلة الاعلامية الاكثر شيوعا في تلك الفترة، فالإبيات التي أنشدها ”بشر بن حذلم“، بعد عودة الامام السجاد مع النسوة للمدينة، بعد واقعة كربلاء، تمثل سطوع نجم الشعر في نشر الثورة الحسينية، خصوصا وان الشعراء في تلك الحقب الزمنية، يحظون باهتمام كبير، من لدن السلطات الحاكمة، وكذلك القبائل، لما يمثلونه من قوة ضاربة في المجتمع، الامر الذي أعطى اهمية بالغة للشعر الحسيني، بمعنى اخر، فان نقل الكثير من احداث معركة الطف، ترجمت بصورة او باخرى من خلال الشعر، مما ساهم في تخليد تلك الاحداث عبر الاجيال، من خلال تدوين تلك الأشعار، او تناقلها عبر الالسن.

الشعر الحسيني شكل اللاعب الابرز، في تسخير التعاطف الشعبي، مع معركة كربلاء، فالصور التي نقلها الشعراء، وكذلك ترجمة الكثير من الممارسات، في قصائد مختلفة، ساهمت في تكريس تلك الجرائم البشعة، التي ارتكبها الجيش الأموي، سواء بحق ابطال الطف او السبايا، الامر الذي أحدث تفاعلا إيجابيا، مع مظلومية الامام الحسين ، وخسة ودناءة معكسر ابن زياد، من الناحية السلبية، الامر الذي يفسر الاهتمام الكبير من لدن اهل البيت، والحرص على تشجيعهم، على نظم الشعر في القضية الحسينية، ولعل اهمية الشعر في الثورة الحسينية، من احد الاسباب وراء الحظوة، التي حظي بها دعبل الخُزاعي، من لدن الامام الرضا .

التموجات التي تحدثها القصائد الحسينية، في تحريك المشاعر الانسانية، ولفت الأنظار لثورة سيد الشهداء ، شكلت هاجسا، ومصدر ازعاج، لدى السلطات الحاكمة خلال القرون الماضية، فالدولة الأموية تحركت لإسكات أصوات شعراء اهل البيت بشتى الطرق، حيث عمدت لمطاردة كل شاعر، يهجو الدولة الأموية، ويمجد ويمدح الامام الحسين ، واهل البيت ، فضلا عن اهدار دم الشعراء او السجن وغيرها، من الممارسات القمعية الساعية لإخافة الشعراء، من اجل تجاهل معركة كربلاء سواء من قريب او بعيد، اذ يمكن اعتبار المطاردة التي استهدفت الشاعر الكميت، احدى تلك الممارسات الممنهجة لدولة بني أمية.

الشعر سيبقى قائما على مر العصور، فهو من الأدوات الرئيسيّة في إعطاء الثورة الحسينية، زخما كبيرا، لاسيما وان الشعر قادر على الانسجام مع لغة العصر، مما يسهم في مخاطبة التفكير الانساني، ودغدغة المشاعر الانسانية، بطريقة سهلة ومتقنة، وبالتالي فان المراهنة على اندثار الشعر الحسيني، ليس واردا على الاطلاق، ولعل وجود الشعراء على مر القرون العصور، يعطي دلالة على وجود اصرار كبير، على حمل رسالة عاشوراء، وتحمل مختلف انواع التضييق والتنكيل، من لدن السلطات الحاكمة، خصوصا وان الشاعر ينظر الى مناصرة قضية الامام الحسين ، مساهمة بسيطة لحجم التضحيات الجسام، التي قدمها سيد الشهداء في سبيل حفظ الرسالة الاسلامية، والحيلولة دون اخذها لمسارات ملوثة بمفاهيم مختلفة، وبالتالي، فان الشعر الحسيني يشكل عنصرا فاعلا، في القدرة على اختراق الطوق المفروض، على القضية الحسينية، لاسيما وان ثورة سيد الشهداء كانت ولا تزال، مصدر ازعاج للكثير من السلطات الحاكمة، نظرا تمثله من قيم ومبادئ، قادرة على احداث انقلاب كبير في التفكير الانساني.

كاتب صحفي