آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

ذاكرة صورية لباحث تاريخي.. عادات عاشورائية منقرضة منذ ثمانينيات القطيف

صورة أرشيفية
جهات الإخبارية مريم آل عبدالعال - القطيف

يعود الباحث التاريخي عبدالرسول الغريافي بالزمن بذاكرته الصورية لحقبة ما قبل الثمانينات لعادات وآداب انقرضت او هُمشت تتعلق بأيام مواسم عاشوراء أو القراءات الحسينية في محافظة القطيف قديماً.

ويؤكد الغريافي انقراض الكثير منها مرجعاً السبب إلى مواكبة العصر الحديث إذ حل محلها مايغني عنها، فيما ظل بعضها مقاوما إذ لا تزال ممارساتها قائمة في احياء وقرى ومدن القطيف من أجل الاحتفاظ به كتراث قديم يشتاق لممارسته الكثير.

ويوضح أنها ظهرت قديماً كمبادرات لوضع حلول مناسبة تخدم المجتمع في مضمار تلك الظروف في المناسبات الدينيه والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من سائر الأنشطة وبعضها تكون مقتبسة أو مستنبطة من قوانين تلك المناسبات والظروف بحيث تتماشى وآدابها وتشريعاتها ولاتخرج عن إطار المألوف أو المعقول فما تلبث أن تتحول هذه الحلول بعد استحسانها من قبل المجتمع إلى عادات أشبه ماتكون بالتشريعات.

عبدالرسول الغريافيويحرص الغريافي تباعاً على التوثيق بعدسة كاميرته تارة، وتارة أخرى بكتابة المقالات التوثيقية للفلكلور الشعبي في القطيف قديماً ويملك أرشيفاً خاصاً لحرصه وحدسه الخاص في أن الزمن قد يتغير، وكل شيء معرض للزوال أو التطوير.

وأطلع ”جهينة الإخبارية“ على بعض العادات التي قد تكون غير موثقة حتى بعدسة الكاميرا، إلا أنها قد تكون ما تزال راسخة في ذاكرة أجيال ذلك الزمن:

المشي بين المآتم

وذكر أن ما قبل الثمانينات تعود الأهالي أن تكون أوقات المجالس الحسينيه في كل حي شبه متفق على التنسيق في الأوقات بينها، فقد كان من المسلم به عندما يفرغ من القراءة في بيت فلان او الحسينيه الفلانيه فجميع المستمعون بكاملهم تقريبا يتجهون للمكان الذي يليه في القراءة.

ويضيف الغريافي أنه في أثناء سيرهم سوية للمجلس التالي كانوا يشكلون موكبا عزائيا هادئا بردادية خفيفة وهم يلطمون على الصدور وبملابسهم الاعتيادية الى أن يصلوا الى موقع المجلس التالي، وهي عادة كانت قائمة حتى منتصف السبعينات تقريباً.

ومن العادات المرتبطة بأيام عاشوراء في المشي، لفت إلى أن اغلب النساء في يوم عاشر يتنقلن من مكان إلى مكان وهن حافيات الأقدام، وقد انقرضت في بداية السبعينات.

تبريد الأرض صيفاً

ويستذكر أنه في كثير من الأحياء حين كانت مياه المنازل توصل عبر أنابيب من عيون الحي الإرتوازيه وكانت هناك خدمات مواسير خارجة من الأرض باتساع 3 بوصات وبشكل عمودي وفي أعلاها صمامات مغلقة قد خصصت لاطفاء الحرائق في الحي.

يقول: ”في أيام محرم حيث يصادف فصل الصيف فإن هذه الصمامات تفتح في وقت الضحى وتمدد لها خراطيش لكي ترش الأرض الترابية بغية تبريد الأرض وقت مرور موكب العزاء والمستمعين“.

تمثيل ليلة الدفن

ويحكي الغريافي أنه من العادات المنقرضة في اليوم الذي يصادف يوم الثاني عشر ليلا «ليلة الدفن» في بعض الأحياء التي تحيي التصوير «أي التمثيل» تختار لها موقعين متقاربين احداهما يشكل مجلس عبيد الله بن زياد ويمثلون فيه ما دار بينه وبين الامام زين العابدين وعمته من حوارات.

ويتابع: أما الموقع الآخر فتوضع فيه رمال وفوقها تجثو اجساد الشهداء ينام فوقها أشخاص حقيقيون مضرجة اثوابهم بألوان حمراء «كالمايكروكروم» حيث يتجه إليها من يقوم بدور الامام زين العابدين بعد الخروج من مجلس ابن زياد ومعه جماعة ليأمرهم بدفن الشهداء.

غياب «الطوس» عن عزاء لطم الصدر

وضمّ الغريافي للقائمة عادات جرت في المواكب قديماً وانتهت في الثامنينات تقرياً، وهي العادة التي كانت ملازمة مع مواكب عزاء لطم الصدر وكذلك الزنجيل أو السلاسل «الصنقل» هو استخدام «الطوس» مبيناً أنه لم يعد استعمال هذا الطوس في المواكب الا مانذر وخصوصا مع لطم الصدر فهو يستخدم في حي الكويكب حاليا ومع من يقيم مواكب الزنجيل «الصنقل» كما هو في الأوجام والقديح وأم الحمام.

ويوضح أن «الطوس» كما يعرف محليا أي الصنج او الصناج cymbals وهو في الأصل آلة قرع موسيقيه عالية الصوت مكونه من قرصين من صفيح النحاس وأحيانا تصنع محليا من الزنك والهدف من استخدامها هو تعزيز الأصوات الناجمه من اللطم على الصدر أو الضرب بالسلاسل إذ يشكل قرعها مع صوت اللطم اصوات عالية شجية تثير الحماس في النفوس، وفي العادة يستخدم جوز واحد من الطوس فقط إذا كان الموكب صغيرا وطوسين اذا كان كبيرا حيث يكون لكل فرقة من القرقتين زوج واحد من الطوس.

الخطيب يتوسط المستمعين ناعياً

وفي مجالس الحسينينات تطرق الغريافي إلى العادات العريقه المتبعة والتي انقرضت أيضا أن الخطيب عندما تشتد أيام محرم وعند المصرع وقت النعي أنه ينزل من المنبر وهو يشق طريقه بين المستمعين ماشيا مترنحا من الأسى يمنة ويسرى أو إلى الأمام واضعا يده على عارض خده «عادة الأيمن» وكأنه يوزع النعي بين المستمعين فترتفع الأصوات بالبكاء، ثم يعود بعدها الى المنبر بتوقيت مناسب قبل أن ينتهي من النعي بقليل. لقد انتهت هذه الظاهرة ولكني تفاجأت بوجودها في احدى قرى البحرين في العام الماضي.

حبال لتنظيم موكب العزاء

كما أعرب أن من العادات التي انتهى ظهورها في الطرقات منذ الستينات تقريباً حيث جرت العادة في أيام محرم في القطيف أن المواكب كانت تخرج من المآتم والحسينيات لتمر في طرقات الاحياء والقرى وكانت المواكب والمسيرات الطويله تنظم عن طريق الحبل المتين المعروف ب ”الحومال“ او ”البيطة“ فكانوا يحدون الجانبين احيانا بالحبل بالوضع الطولي لكي لايختلط المشاة بالمعزين.

ويتابع حديثه: كان يمسك كل طرف منه أحد الاشخاص وكذلك في وسط الحبل أيضا حسب طوله وهناك حبل أفقي يفصل بين المواكب والتي كانت على ثلاثة أنواع «نشرت جهينة الإخبارية تقريراً عنها في محرم 1439» وهي موكب اللطم على الصدر وموكب الزنجيل اوالسلاسل او الصنقل الذين يلبسون البدلة السوداء ويضربون الظهور بالسلاسل.

وأضاف: وهناك الموكب الثالث وهم الذين يسمون بالأنصار الذين يلبسون بدلة بيضاء ويتعصبون بعصابة بيضاء أيضا تلطخ مقدمتها بلون أحمر «وعادة مايكون المايكروكروم» ويضربون جباههم ضربا خفيفا بنهاية إحدى الكفين مرددين: ”حسين.. حسين.. حسين.. ياحسين“. فتستخدم ثلاث قطع من الحبال المتين المستعرضة بشكل افقي لتفصل بين كل موكب ويمسك كل فرد طرف من طرفي الحبل.

يوم خلع الزينة

ويستذكر الغريافي عادة لاتزال باقية حتى أيامنا هذه ولكن الذي تغير هو انقراض استخدام المصطلح أو المسمى وكذلك رسميات ذلك اليوم أو الليلة، ولا شك أن هذه العادة متوغلة جذور أصولها في أعماق القدم؛ إذ أن هناك من جسدها في المراثي الحسينية المعروفة كالشيخ جعفر الحلي رحمه الله حين قال:

في كل عام لنا بالعشر واعية..

تطبق الدور والأرجاء والسككا

*وكل مسلمة ترمي بزينتها*

حتى السماء رمت عن وجهها الحبكا

ياميتا ترك الألباب حائرة

وبالعزاء ثلاثا جسمه تركا.

ويبين أنه في أول يوم من أيام محرم تخلع المرأة زينتها وملابسها الزاهية لتحل محلها ثياب الحداد والسواد وقد عرفت ليلة ذلك اليوم في المنطقة بليلة الخلع ولاتزال جارية حتى الآن - كما ذكرت - ولكن لم يعد هذا المصطلح متداولا بين نساء الجيل الحديث الا ماندر.

كسر الأعلام

ويسرد الغريافي أنه كان يثبت عند نهاية كل طرف من ذراعي المنبر الحسيني الأيمن والأيسر علم، وعند التاسع والعاشر من عاشوراء حين يحتدم الرثاء عند بعض الخطباء ويصل الرثاء ذروته يعمد الى العلمين الذين هما على جانبيه فيكسرهما.

الصانع

ويضيف للعادات المتبعة قديماً والتي كانت بشكل رسمي ولكنها أصبحت نادرة جدا في أيامنا هذه وقد اضمحل استخدام المصطلح المتعلق بها وهو مايعرف «بالصانع» والصانع هو المقدم للخطيب فكان قبيل أن يبدأ الخطيب يرتقي المنبر شخص عادة يكون شابا وبعض الأحيان يميل سنه لسن الطفولة.

ويذكر الغريافي أن الصانع يبدأ قبل الخطيب بمراث حسينية لايزيد وقتها عن بضع دقائق ثم ينزل من المنبر ليحل محله الخطيب وهذا الصانع عادة مايكون أحد طلاب هذا الخطيب أو احد ابناءه ليعده الى الخطابة مستقبلا وهو يكفي الخطيب عبء بعض المراثي الحسينية التي يقدمها عنه.