آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

الاصل.. الظل

محمد أحمد التاروتي *

تطابق الظاهر مع الباطن في ممارسات البشر امر مطلوب، فهو يعكس صفاء النفوس، والابتعاد عن ممارسة النفاق الاجتماعي، مما يترجم على شكل رضا داخلي والاحترام الكامل من البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الانفصام التام بين الظاهر والباطن، يخلق حالة من عدم التوازن الداخلي، الامر الذي ينعكس على مجموعة سلوكيات يومية واضطرابات تظهر بشكل تدريجي للاخرين، ”ما أضمر امرئ من شيء الا ظهر على قسمات وجهه او فلتات لسانه“.

يحاول البعض رسم صورة ملائكية وبريئة، واحيانا نرجسية في البيئة الاجتماعية، مما يدفعه للانخراط في مشاريع اجتماعية، لا تنسجم مع القناعات الشخصية، انطلاقا من مبدأ ”الغاية تبرر الوسيلة“، خصوصا وان ترك انطباعات إيجابية لدى الوسط الاجتماعي القريب، بحاجة الى ”نفاق اجتماعي“ لتكريس صورة إيجابية لدى الاخرين، وبالتالي فان السلوكيات الظاهرية تعتبر الجواز لدخول قلوب البيئة الاجتماعية، لاسيما وان رسم صورة مثالية يتطلب جهود كبيرة، وعمل متواصل، بمعنى اخر، فان حجب العالم الخفي وغير المرئي عنصر أساسي لتحقيق الاهداف المرسومة، مما يتطلب الحرص على اظهار السلوكيات غير الحقيقية لكسب المزيد من التأييد الاجتماعي.

عملية التخفي وراء الاقنعة المزيفة، تحتاج الى مهارة عالية، وقدرة على اداء الدور بشكل احترافي، خصوصا وان الاخطاء مرفوضة وغير مقبولة مطلقا، فالخطأ الواحد قادر على ازالة المواد التجميلية، التي تحيط بالقناع المزيف، الامر الذي يتطلب الحرص، والدقة في جميع الخطوات الحالية والمستقبلية على حد سواء، وبالتالي فان دراسة الخطوات لتكريس الصورة المثالية لدى الاخرين، يستدعي وضع خطط قادرة على الاقناع، والاستمرار في ابتكار الأساليب المخادعة، من اجل ابقاء الصورة الظاهرية النرجسية، ومنع جميع المحاولات لاختراق سلوكيات الظل.

القدرة على ممارسة الأدوار الخادعة، للسلوكيات الظاهرية، مرتبط بوجود بيئة اجتماعية، غير قادرة على اكتشاف الفوارق، بين الظاهر والباطن، فالنفاق الاجتماعي ينمو في بيئات تحتضن هذه النوعية من السلوكيات الاخلاقية، مما يشجع اصحاب الوجوه المتعددة على ركوب الموجة، من اجل تحقيق مآرب عديدة، خصوصا وان القبول الاجتماعي يسهم في تنامي هذه السلوكيات المرضية، بمعنى اخر، فان الافتقار للوعي، وعدم القدرة على تمييز السلوكيات المخادعة عن الحقيقية، يدفع باتجاه الاهتمام بالظاهر وتغافل الباطن، وبالتالي فان السلوكيات الفردية الخاطئة، مرتبطة احيانا بالبيئة الاجتماعية غير الصحية.

المراهنة على استمرارية الخداع، وممارس السلوكيات الكاذبة، محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج، خصوصا وان القدرة على الخداع تختلف من شخص لآخر، وكذلك نتيجة لاختلاف البيئات الاجتماعية، وبالتالي فان نجاح بعض التجارب لدى بعض البشر في مجتمعات، ليس مدعاة لانتقال العدوى لتجمعات بشرية اخرى، بمعنى اخر، فان محاولات رسم صورة نرجسية، تتناقض مع السلوكيات غير المرئية، لا يكتب لها النجاح في الغالب، نظرا لوجود ظروف اجتماعية مختلفة، ومهارات ذاتية تتفاوت من فرد لآخر، مما يعرض البعض للسقوط مدوي منذ اللحظات الاولى والبعض الاخر يسقط بعد برهة زمنية قصيرة، جراء اكتشاف بعض السقطات، والتي بدورها ساهمت في تمزيق الاقنعة المزيفة، التي تخفي السلوكيات غير المستقيمة وتحكي براعة كبرى في الخداع والتناقض التام بين الصورة والظل.

كاتب صحفي