آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

المنبر الحسيني ووظيفته الأهم

محمد الحرز *

- 1 -

استمعت مؤخرا لمجموعة من خطباء المنبر الحسيني لهذا السنة من المحرم عبر محاضرتهم التي ترفع على اليوتيوب أولا بأول حيث كان مجمل مواضيعهم تتصل بالتنوير والعقلانية ورد الشبهات من خلالها عن الإسلام.

وكان انطباعي أن اجتهاداتهم لم تكن سوى مجرد سرد تاريخي مضطرب لا منهج ولا تحليل ولا رؤية، وقفزات من هنا وهناك، ولا وحدة موضوع. ولم يفض بي ذلك سوى أنه رسخ يقيني أكثر من ذي قبل بأن مشكلة المنبر الحسيني لا تتعلق بالخطباء واستعراض عضلاتهم المعرفية على المنابر. إن مشكلة المنبر موضوعية بالدرجة الأولى تتعلق بحدود امكانياته على الصعيد التاريخي والاجتماعي والديني، فطالما كان المنبر مدار تلقيه هو الانسان الشيعي الباحث عن ترسيخ هويته الشيعية بالاعتبار العقائدي الضيق، وليس بالاعتبار الحضاري الإسلامي، سيظل المنبر عرضة للصراعات والدوافع والشد والجذب بين من ينصب نفسه من الخطباء للدفاع عن بيضة الإسلام ضد موجة الإلحاد والاستخفاف بالدين من طرف جيل متمرد يبحث عن تجديد هويته في ظل التحولات التي تطال العالم. وبين خطباء آخر همهم الانسان الذي يحضر طقوس عاشوراء بحثا عن حلول لأزماته الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية.

للأسف الوحدة والتضامن في إطار الاختلاف هي من أهم الدروس التي ينبغي استخلاصها من دروس كربلاء، وأيضا من دروس التاريخ، خصوصا للمجتمعات التي ينظر إليها كأقلية كالمجتمع الشيعي في الأحساء.

التنمية والشراكة الاجتماعية والسعي لخلق مشاريع تستثمر الإنسان الأحسائي ثقافيا وتعليميا واقتصاديا حتى يكون دعامة قوية في مسيرة الوطن، لا توجد بل هي من الأمور المسكوت عنها في المجتمع الشيعي. أما التفرغ للرد على العقلانيين أو الليبراليين والعلمانيين والملحدين بدل السعي للتفكير بمثل هده المشاريع، للأسف غائبة عن وعي هؤلاء. لكني من جهة أخرى لا أضع الخطباء في سلة واحدة، ولا أحملهم كامل المسؤولية. فالمسؤولية تقع على الجميع ولا استثني أحدا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

- 2 -

من جهة أخرى تتصل بهموم المنبر الحسيني ولا يبتعد كثيرا عنها يؤرقني السؤال التالي: ما الذي يمكن استنتاجه عندما نرصد أن ثمة شبابا في الوسط الشيعي الأحسائي يملك توجها واهتماما بحثيا للقيام بتنقية تراث الطف، أما بدافع عقلنته على مستوى المنبر الحسيني، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تجديد خطابه بما يتوافق وثقافة العصر حسب رؤيتهم، أو بدافع الإحساس عند هؤلاء الشباب أن ثقافتهم شبت عن الطوق، وأصبحوا تاليا يملكون الثقة التامة للخروج من أسار ووصاية التوجه التقليدي لهذا التراث وحراسه من الخطباء والمشايخ، وذلك على الأقل في محيطنا الأحسائي؟!

أقول هذا الكلام، بمناسبة دعوتي قبل فترة وجيزة، لحضور ندوة بعنوان ”تنقيح الموروث المنبري“ لشابين باحثين هما عبدالله الرستم وأحمد المطلق. وكما أرى لقد اجتهدا كثيرا في البحث واستقصاء المعلومة التاريخية وجمعها ومن ثم القيام بمقارنة هذا المصدر بذاك حيث الخلاصة أن هناك زيادات وردت في حادثة الطف وتقال على المنابر كمسلمات بينما هي لا أساس لها من الصحة عند بعض المؤرخين المعتمدين.

عموما ليس هدفي هنا الدخول في تفاصيل ما ورد في ورقتيهما، فقد أطنبا كثيرا، وكان بإمكانهما أن يوجزا، ويختصرا الوقت بالإشارة إلى الأهداف والنتائج والرؤية والمنهج. لكن للأسف لم يحصل شيئا من ذلك.

هدفي هنا الوقوف على دلالة ما خلف مثل هذا التوجه عند الشباب مثلما صدرت به هذه المقالة، وهو بالنسبة لي الأهم لأنه يكشف عن ظاهرة أشمل لا تتصل بسجال يحدث بين هذا الخطيب التقليدي وذاك الخطيب الحديث أو بالصراع الموهوم بين ذاك المثقف الحداثي والخطيب أو الشيخ الفلاني، لأن الأمر بالنهاية هو مجرد استنفاد للطاقة الفكرية والجسدية للشخص دون كبير فائدة تعود عليه وعلى المجتمع في نفس الوقت. لكنها تتصل بعوامل لها علاقة بالمجالات الأخرى في الحياة المعاصرة كالمجال السياسي ومجال التطور الثقافي التقني ومجال التجديد الذي طال الفكر الإسلامي بشكل عام. وهذا ما يشكل لدي إحدى أهم الدلالات عندما أحاول الاقتراب من القضايا المعاصرة التي تشكل علامة بارزة على المجتمع في الأحساء كونها تجعل رؤيتي أوسع في النظر للتحولات التي تطال المجتمع بجميع فئاته. فالشباب الشيعي المتنور والمتعلم على سبيل المثال لم يعد في اللحظة الراهنة يعنيه هذا الصراع أو ذاك أو الرد على هذا ”العلماني“ أو ذاك المثقف، ولا يعنيه أيضا كثرة المعلومات واستعراضها، إنما يعنيه بالدرجة الأولى أن يكون المنبر الحسيني منصة تتاح من خلالها لجميع فئات المجتمع التحدث عن همومها وآرائها ووجهات نظرها حول كل شيء كي تساهم مع الخطيب والشيخ والمثقف والأكاديمي جنبا إلى جنب للارتقاء بالمجتمع فكريا ودينيا واقتصاديا ووعيا باللحظة التي يعيشها ضمن الوطن الذي نعيش فيه. هذا هو الإطار الواسع الذي ينبغي أن نضع المنبر الحسيني وأن نؤمن إيمانا راسخا بأن وظيفته الأهم الآن بجانب وظائفه التاريخية التقليدية هو ما ندعوه بالمنصة الحسينية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو حمزة
[ القطيف المهضومة ]: 28 / 9 / 2018م - 7:30 م
مقال جميل ....لكنه غير منصف ..فهناك من الخطباء الواعدين قد اجهدوا انفسهم ليصلوا الى نفس الهدف الذي ينشده الكاتب ..

الاجحاف يكمن في التعميم