آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:54 ص

حقائقُ البشر

المهندس هلال حسن الوحيد *

كل الأحاسيسِ مشتركة بين البشرِ أينما كانوا ومن أينَ أتوا. كلهم يخافونَ ويجوعونَ ويفرحونَ ويحزنونَ وكل الأحاسيس فيها وفي أضدادها نملكها كلنا. تصدأُ الأحاسيسُ عندما لا تصل ذروتها فمن هو دائمُ الشبعِ ينسى ألمَ الجوع ومن هو دائمُ الراحةِ ينسى وجعَ التعب ومن يملك المالَ لا يتذكر مرارةَ الفقر، لكن كل الأحاسيسِ تطفو سريعاً عندما ننتقل من حالٍ لحال وتعود كما كانت.

عملَ عندي رجلٌ في عملٍ، بمبلغٍ قليل، كنت أظن العملَ ليس مرهقاً بعد أن اعتدت الراحة. لم أفهم لغةَ الأجيرِ ولكن كل إشاراتهِ كانت تعني أن العملَ الذي أردتُ إنجازه يحتاج وقتاً أطول وكان يضع يدهُ على ظهرهِ من التعبِ بعد ساعاتٍ من الإنحناء. أنا ذاكَ الذي لم أكن أستشعر الألمَ لم يعجبني رؤية العاملِ يحصل على مالي وهو جالسٌ ولو دقائق، صرتُ استحثه على إكمالِ العمل دون الجلوس.

تناجز الأيامُ الإنسانَ في كُلِّ شيء وتصر أن تنقلهُ من حالٍ لآخر. ارتحلَ الأجيرُ فاضطررتُ أن أقومَ بما كان ينجزهُ من عملٍ، حينها أحسستُ بما كان يمر به من تعب. أخذت كثيراً من الراحة ووضعتُ يدي على ظهري كما كان يفعل عندما يتعب. الفارق الوحيد أنني لم أستطع الصراخَ أو اللومَ سوى تذكر المثلِ القديم ”جنت على نفسها براقش“. براقشُ الكلبةُ التي أغارَ قومٌ على قومها، فنبحت ونبهت قومها، فقاموا وذهبوا إلى مغارةٍ يختبئونَ فيها وعندما جاءَ اللصوصُ أخذوا يبحثونَ عن أهلِ القريةِ ولم يجدوا أحداً، وعندما هموا بالانصرافِ نبحتهمْ الكلبةُ براقش، فانتبه لها اللصوصُ وقتلوا عدداً من قومها وقتلوها أيضاً.

نحن البشر نسيرُ في أنحاءِ الأرضِ ربما لا نتكلم اللغةَ نفسها أو يختلف ديننا وربما ربنا ولكن اللهَ أودعَ فينا أحاسيساً نفهمها ونحسها كلنا. نفرحُ في مباهجِ الحياة ونحب الألوانَ الزاهية، نحزنُ ونجوعُ ونُحبُّ الأمنَ والراحة. كل هذه الأحاسيسِ لا تحتاج إلى كلامٍ لتنتقلَ من شخصٍ لآخر ولكن ”تكفيكَ رؤيةُ مظهريْ عن مخبري“. أحاسيسُ يجب أن تكونَ القوةَ الأوليةَ الرابطة لنا البشر كلنا أينما كنا!

تصر السماءُ على وحدةِ البشرِ في أن يخرجَ الدمعُ عند الألم من كل الناس، زرقُ العيون أو سودها، فلا أحد يضحك عند الألم وصوتُ الضحكةِ يرتفع عند الفرحِ في كل البشر، حتى صوت الناي يجلب ذاتَ المشاعر أينما كان الإنسان. كل هذا من أجلِ أن يعرفَ البشرُ حقيقةَ بعضهم وحقيقةَ الحياةِ التي يعيشونها في سنواتٍ هي بين رقمِ الواحدِ والمائة في كُلِّ مكان.

مستشار أعلى هندسة بترول