آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

المعاناة.. التوظيف

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض بقوة لاستغلال معاناة الاخرين للتوظيف بمختلف اشكاله، ومحاولة الاستفادة منها لزيادة الرصيد على الصعيد الاجتماعي، فهذه الشريحة لا تعدم الحيلة والوسيلة في البحث عن كبش فداء، او ضحية مفترضة لتحقيق العديد من المكاسب، خصوصا وان تسليط الضوء على معاناة شرائح اجتماعية، لا يهدف لرفع الضيم، وانهاء الأوضاع المأسوية، وإنما لاثارة الرأي العام الاجتماعي، والسعي لممارسة الضغط، لزيادة الرصيد في البيئة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان التوظيف لا يهدف للتعرف بالمعاناة، لاسيما وان أنصار توظيف المعاناة، ينفذون المثل المعروف ”مصائب قوم عند قوم فوائد“.

عملية الاستفادة من المعاناة، والقدرة الفائقة، على توظيفها بشكل مثالي، مرتبط بوجود عناصر قادرة على صناعة الرأي العام، لاسيما وان هناك الكثير من المآسي في الوسط الاجتماعي، بيد ان تلك المآسي لا تظهر للسطح، وتصبح قضية ”رأي عام“، نظرا للافتقار للعناصر القادرة على التوظيف المناسب، بمعنى اخر، فان الرغبة في الاستفادة من المعاناة، ليس سببا كافيا للحصول على النتائج المرجوة، مما يستدعي التخطيط المسبق والمتقن، لتوظيف المعاناة بالشكل المناسب، وبالتالي، فان العنصر البشري يمثل احد الأدوات الرئيسيّة للاستغلال غير الاخلاقي، لمعاناة بعض البشر في تحقيق العديد من المكاسب على الصعيد الاجتماعي.

امتلاك الخطاب المؤثر، والقادر على لفت الانتباه، يشكل عنصرا أساسيا في التوظيف الاجتماعي للمآسي والنكبات، التي تكابدها بعض الشرائح الاجتماعي، فهناك الترويج غير البريء لإظهار حجم المعاناة للطرف المستهدف، لاسيما وان عملية التوظيف تتطلب استخدام مختلف الأدوات، وعدم الاقتصار على وسيلة واحدة، خصوصا وان الافتقار للوسائل المؤثرة، يحبط الاهداف المرسومة لتوظيف تلك المعاناة، الامر الذي يفسر الاستغلال الكبير لتلك المآسي من لدن بعض الاطراف، من خلال الاعلام الموجه، وغير النزيل على الاطلاق، وبالتالي فان الخطاب المؤثر يسير بالتزامن مع العنصر البشري، في عملية التوظيف غير الاخلاقي لمعاناة الاخرين.

وجود الاعلام القوي، يشكل احد الأضلاع الاكثر تأثيرا، في طريقة تعاطي البيئة الاجتماعية، مع المعاناة والمآسي، فالطرف الذي يتحرك لاستغلال المعاناة، يحرص على الاستفادة من الاعلام، لتوسيع قاعدة التأييد، واظهار تلك المآسي بطريقة مأسوية، وكذلك تضخيم الامور عبر نسج قصص خيالية، واحيانا غير منطقية، لاسيما وان السيطرة على الجانب العاطفي، يحدث فرقا كبيرا في عملية التوظيف غير الاخلاقية، بمعنى اخر، الافتقار لسلطة الاعلام يشكل معوقا أساسيا، في عملية توظيف المعاناة، ويحول دون الاستفادة من آلام الاخرين بطريقة غير إنسانية.

القدرة على توظيف المعاناة ليست متاحة للجميع، فهناك العديد من التجارب الفاشلة، في الاستغلال الفج لمآسي الاخرين، نظرا لاكتشاف الاهداف الحقيقية وراء تسليط الضوء على تلك النكبات، الامر الذي يجعل عملية الاستجابة الطوعية للدعاية الموجهة صعبة للغاية، اذ يحاول الطرف المتضرر كشف الاهداف المرسومة على الملأ، مما يعرقل عملية التأثير على المجتمع، والحصول على تعاطف الكثير من الناس، بمعنى اخر، فان خروج المخطط المرسوم، لتحويل المعاناة لقضية ”رأي عام“، يمثل الضربة القاضية، وبالتالي فان، توظيف المعاناة يتطلب السرية والكتمان، وعدم الإفصاح على الاطلاق، نظرا للتداعيات السلبية على اكتشاف المخططات غير الاخلاقية، لاستغلال المعاناة الانسانية، لدى بعض الشرائح الاجتماعية.

كاتب صحفي