آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

القفز نحو الأسئلة الصعبة

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

نُشر مؤخراً كتاب «أجوبة موجزة عن الأسئلة الكبيرة»، لعالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ، وذلك بعد سبعة أشهر على رحيل مؤلفه، «توفي في مارس/آذار 2018»، هذا الكتاب يُعتبر أحد الفتوحات العلمية للرجل الذي قدم كتباً أطروحات علمية خارقة، أحد كتبه وهو كتاب «تاريخ موجز للوقت» بِيع منه أكثر من 10 ملايين نسخة، وطبع بثلاثين لغة.

العُلماء وحدهم يجرؤون على طرح الأسئلة الكبيرة، وقيمة العلم أنه يخترق المساحات المألوفة ليطرح الأسئلة الخارقة وغير المألوفة، والذين استكانوا لرأي المشهور أو الرأي السائد، ظلوا محبوسين في قوالب النظريات القديمة. ولذلك؛ كانت عبقرية هوكينغ أنه دأب على اجتراح الأسئلة الصعبة، والقفز في فضاء السؤال الخلاّق؛ ولذلك جاءت كتبه من قبيل «الثقوب السوداء» لتؤسس لمسار علمي وفلسفي جديد.

في كتاب «أجوبة موجزة عن الأسئلة الكبيرة»، يحاول تقديم إجابات لأسئلة تتعلق بالإنسان والكون والآلة. هل سيتمكن الإنسان من ابتكار طريقة تجعله يعيش خارج كوكب الأرض...؟ يقول هوكينغ، إن البشر ليس لديهم خيار سوى مغادرة الأرض؛ لأن استمرار وجودهم دون أفق ينقلهم إلى عوالم أخرى قد يعرضهم لـ «الإبادة».

من الأسئلة المهمة التي يطرحها العالم الراحل: هل سيتجاوزنا الذكاء الاصطناعي؟، هو يقرر أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفوق البشر، وهو يجزم أن أجهزة الكومبيوتر سوف تتفوق على البشر في الذكاء خلال المائة عام المقبلة، لكن «سنحتاج إلى التأكد من أن أجهزة الكومبيوتر لديها أهداف تتماشى مع أهدافنا»، هل يمكن تخيل حال البشرية في ظل تحكم الآلة الذكية بالإنسان، هي يمكن أن تتأنسن، بمعنى أن تصبح عاطفية وذات شعور ولديها مُثل وقيم ومبادئ...؟

لا يقف عند ذلك، يقول هوكينغ، إن الجنس البشري يجب أن يحسّن من صفاته العقلية والجسدية، لكن وجود سلالة معدلة وراثياً من البشر فائقة القدرة «سوبر هيومن»، مع زيادة في الذاكرة ومقاومة للأمراض، ستعرض آخرين للخطر.

يحاول أيضاً هوكينغ أن يجترح سؤالاً آخر: هل يمكن السفر عبر الزمن...؟ وهو يجيب: نعم! يمكن للإنسان أن يسافر مسافات خارقة عبر الزمن. وهو يقول إنه في الخمسين سنة المقبلة، سوف نفهم كيف بدأت الحياة وسنكتشف ما إذا كانت الحياة موجودة في مكان آخر في الكون؟

فكرة السفر عبر الزمن ليست من ابتكار هوكينغ، قبل 120 عاماً صدرت رواية «آلة الزمن» وكتبها البريطاني «هربرت جورج ويلز»، وهي تدور في قالب من الخيال العلمي، حاول المؤلف أن يسافر نحو المستقبل مسافة 800 ألف سنة. لكي يستطلع صورة الإنسان حيث عثر هناك على أجناس بشرية تشكّلت بفعل نظريات الثقافة والاجتماع، وأمكنه أن يتخيل أن الهوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء أفرزت عبر الزمان أجناساً بشرية مختلفة، بعضها أفسدته النعمة، والآخر شوّهته الفاقة.

أهمية الكتاب، أنه محرك هائل للبحث، ومثير للأسئلة، لا يقدم بالضرورة إجابات نهائية، ولا يفرض قناعات مغلقة، ويتجه في حركته في إثارة العقل نحو المستقبل، هذه الحركة تجعل المسير نحوها مجدياً ومثمراً ومشوقاً.