آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

الوصاية.. النصيحة

محمد أحمد التاروتي *

يسمح البعض لنفسه استخدام عصا الوصاية على المجتمع، من خلال وضع خيارات محددة، وعدم السماح للاخرين بممارسة الحق في الاختيار المناسب، انطلاقا من قناعات ذاتية وغير منطقية، تتمثل في كوّن النخب الثقافية الاكثر قدرة على وضع المسار الصحيح، فيما ترك الخيارات للمجتمع يدخل الجميع في متاهات صعبة، الامر الذي يستدعي انتهاج سياسة ”الوصاية“ الصارمة، من اجل حماية المجتمع من الذهاب بعيدا باتجاهات خطيرة، بمعنى اخر، فان النخب الثقافية قادرة على توجيه البوصلة بالاتجاه السليم، نظرا لامتلاكها الوعي، والرؤية الواضحة لرسم النقاط، باتجاه الهدف المنشود.

يتخذ بعض النخب الثقافية ”الوصاية“، كطريق للتسلق على رقاب المجتمع، من خلال الاستحواذ الكاملة على مختلف القرارات المصيرية، بحيث تعمد لوضع تلك الخيارات كأمر واقع، دون الرجوع لاصحاب الحل والعقد، فهي تحاول تمرير هذه السياسة عبر الترويج، للحصول على التفويض الكامل، من مختلف الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يفرض استخدام ”صك العبودية“، فيما يعود على المحيط الاجتماعي بالفائدة، خصوصا وان النخب الثقافية الأقدر على القراءة الدقيقة، لمختلف التحولات والمستجدات، في مختلف الاصعدة، بمعنى اخر، فان محاولات التذمر والاستنكار، للتدخل الفج للنخب الثقافي في فرض الوصاية، على الخيارات الاجتماعية، لا تجد آذانا صاغية لدى تلك النخب الثقافية، خصوصا في ظل وجود قناعات ذاتية بضرورة السير قدما، وعدم الالتفات للأصوات المعارضة، نظرا لافتقار هذه الأصوات الرافضة للقدرة، على تحديد الخيارات المناسبة، مما يستدعي اسكات تلك الأصوات، عبر العديد من الممارسات، لاسيما وان المصلحة العامة تفرض استبعاد تلك الأصوات، عبر تغليب مصلحة الجماعة على المصالح الفئوية.

ممارسة ”الوصاية“ مرتبطة بوجود فراغ كبير في الحراك الاجتماعي، فالجمود الرهيب في التعاطي مع المتغيرات على اختلافها، يفتح الأبواب امام الاطراف الاستغلالية للتدخل، ومحاولة ملئ الفراغ بطريقة سلبية، الامر الذي ينعكس على المسيرة التنموية الطبيعية للمجتمع، بمعنى اخر، فان الحالة السلبية لدى المجتمع تجاه التحولات الكبرى، فرصة سانحة لبعض النخب الثقافية، لممارسة التذاكي والظهور بمظهر الناصح، والحريص على المجتمع، وبالتالي وضع خيارات محددة احيانا تكون غير مناسبة، واخرى تكون بغير موافقة الغالبية العظمى من المجتمع، مما يسهم في خلق واقع بائس، وغير ناضج على الاطلاق.

سياسة الوصاية غير المستندة على قواعد ثابتة، وبعيدا عن الرغبات الحقيقية للمجتمع، تكون نتائجها وخيمة على الجميع، خصوصا وان سياسة التجهيل تنم عن قصور كبير، لدى الطرف المتثاقف، مما ينعكس على تباعد الهوة بين المجتمع والنخب الثقافي، جراء اختلاف النظرة وغياب التناغم، والانسجام او الالتقاء عند نقاط مشتركة، الامر الذي يستدعي انتهاج سياسة، قادرة على الاستقطاب عوضا من طريقة الوصاية، والفرض، بمعنى اخر، فان اتخاذ الوصاية طريقة للتعامل مع المجتمع، يترك اثارا سلبية على جميع الاطراف، بخلاف وسيلة النصيحة والاستشارة، التي تسهم في تلاقح الافكار، مما يولد نوعا من الرضا وعدم النفور، وبالتالي الوصول الى الغايات المنشودة، في احداث تعاطي ايجابي، مع المتغيرات في مختلف الاصعدة.

كاتب صحفي