آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:06 م

الوعود.. الاختبار

محمد أحمد التاروتي *

مرض اطلاق الوعود الجوفاء يصاب به البعض بمجرد استلام مناصب قيادية، اذ يعمد لدغدمة المشاعر بسلسلة تصريحات تحمل في طياتها الكثير من الاحلام الوردية، فالعملية مرتبطة بمحافظة اسكات الاصوات العالية والمستنكرة من تواضع الانجازات على الارض، الامر الذي يستدعي خلق سراب من الوعود الكبيرة، خصوصا وان عملية المحاسبة او الرقابة تكاد تكون معدومة، مما يجعل التملص من تلك الوعود غاية في السهولة، وبالتالي فان لعبة الوعود السرابية ستبقى قائمة حتى يرث الله الارض ومن عليها، نظرا لانعدام الجهات القادرة على رصد تلك الوعود ومحاولة ترجمتها على ارض الواقع.

لعبة الوعود ”السرابية“ مرتبطة بقدرة فائقة في التلاعب بالالفاظ، فتارة تكون عبر وضع الوعود في عبارات ”حمالة ذو اوجه“، من خلال استخدام المفردات الدبلوماسية، بهدف الخروج من المأزق بمجرد التذكير بتلك الوعود، الامر الذي يفسر اختيار الكلمات الدقيقة في عملية اطلاق الوعود، خصوصا وان الكثير من الوعود بحاجة الى المفردات المبهمة وغير الواضحة، مما يجعل ”التخارج“ من الوعود عملية سهلة ك ”خروج الشعرة من العجين“، لاسيما وان اكتشاف ”سرابية“ الوعود يهدد المستقبل الوظيفي لتلك القيادات ومما يمهد لفقدان الكرسي وعدم القدرة على البقاء لسنوات طويلة على اكتاف الاخرين.

التباكي على المرحلة السابقة والتبشير بمرحلة مشرقة، يمثل المدخل الاساس وراء لعبة الوعود ”السرابية“، فكلما جاءت امة لعنت اختها، بمعنى اخر، فان القيادات القيادية الجديدة تحاول الضرب على الوتر الحساس، من خلال التلاعب بمشاعر وتعاطف الاخرين، مما يستدعي استخدام المرحلة السابقة ك ”كبش فداء“ في سبيل العبور الى قلوب البيئة الاجتماعية، الامر الذي يتطلب احداث اختراق حقيقي بواسطة التبشير بمرحلة جديدة، تنسف المآسي والويلات التي صبغت المرحلة السابقة، وبالتالي فان ركوب موجة الاصلاح والقضاء على المشاريع الورقية يتطلب اطلاق حزمة من الوعود الكبيرة، مما يعني محاولة امتصاص نقمة المرحلة السالفة بفتح صفحة جديدة للمرحلة الجديدة.

الاستغفال احد الاسلحة الاكثر قدرة على تمرير الوعود ”السرابية“، خصوصا وان اصحاب المناصب القيادية، يدركون ان الذاكرة المجتمعية محدودة وقصيرة للغاية، مما يجعل عملية مسح تلك الوعود غاية في السهولة، فالبيئة الاجتماعية غير قادرة على الاحتفاظ بالوعود لفترة طويلة، نظرا لتراكم المشاكل والهموم الكبيرة، مما يجعل العودة بالذاكرة الى الوراء ليست سهلة على الاطلاق، وبالتالي فان المراهنة على الذاكرة المجتمعية في الضغط على القيادات في تنفيذ الوعود ليست في محلها على الاطلاق، اذ بالامكان اشغال البيئة الاجتماعية بوعود جديدة مغايرة تماما للوعود السابقة، من خلال استخدام الكثير من المبررات ومختلف الوسائل، الامر الذي يجعل تلك القيادات في ”حل“ من تلك الالتزامات السابقة.

محاولة رصد الوعود والتذكير الدائم بها في مختلف المناسبات، يشكل احد عوامل الضغط على اصحاب المناصب لترجمة تلك الوعود على الواقع، وبالتالي افشال جميع محاولات التهرب منها، فالمجتمع قادر على حشر تلك القيادات في زوايا حادة، مما يجعل الرضوخ ومحاولة استرضاء الشريحة الاجتماعية غاية كبرى، نظرا للتداعيات المترتبة على التهرب من الوعود الكبيرة.

كاتب صحفي