آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

احترام العقول

محمد أحمد التاروتي *

الخطاب الفوقي ينم عن احتقار او عدم فهم للطرف المقابل، فيما النزول الى مستوى المتلقى، يكشف مستوى التواضع، والحرص على ايصال الرسالة، بالصورة الصحيحة، فالحالة المتعالية تخلق الكثير من المشاكل، مما يسبب في حدوث سوء فهم، وعدم القدرة على الاستيعاب، ”نحن معاشر الانبياء امرنا على مخاطبة الناس على قدر عقولها“، خصوصا وان المستوى الثقافي يختلف من شخص لاخر، وكذلك يتباين من بيئة اجتماعية لاخرى، الامر الذي يفرض الاختيار المناسب لنوعية الخطاب، تفاديا للنفور والمعارضة الصريحة، لاسيما وان الخطاب يتطلب احيانا نوعا من التدرج، والابتعاد عن الحالة التصادمية، و”الصعقة“ الكهربائية.

احترام العقول فضيلة اخلاقية، لا تنتقص من كبرياء اصحاب الخطاب التنويري، بقدر ما تنم عن وجود رغبة صادقة، في التحول من الاحتقار الى الاحترام المتبادل، خصوصا وان الاختلاف الثقافي احدى السنن الكونية، اذ لا يمكن تساوي البشر عند مستوى محدد في مختلف المجالات، مما يستدعي مراعاة الاختلافات الثقافية، ومحاولة التعاطي مع الواقع بشكل متوازن، لاسيما وان عملية التعالي على الاخرين، تخلق ردود افعال مشابهة، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.

القدرة على تمييز المستويات الثقافية، يمثل المدخل الاساس لتحديد نوعية الخطاب، في التعاطي مع المتلقى، فالعملية مرتبطة بالنزول للشارع، والاحتكاك المباشر، بهدف التعرف على نوعية التفكير السائد، وطريقة تناول الملفات الشائكة، خصوصا وان الانعزالية والاستنكاف عن

الاحتكاك المباشر، يعرقل عملية الاختيار المناسب للخطاب المطلوب، لاسيما وان طريقة التفكير الجمعي، تختلف عن طريقة التفكير الفردي، فضلا عن كون الخطاب النخبوي، يختلف تماما في الطرح عن الخطاب الاجتماعي، مما يستدعي وضع خطوط عريضة، لرسم الاليات المطلوبة للتعاطي، مع نوعية التفكير الجمعي، بما يحقق الاهداف المشتركة، بعيدا عن الاسلوب الفوقي.

مفردات الخطاب الجمعي وسيلة ناجعة للاستقطاب، فالخطاب النخبوي ليس مطلوبا، في التعاطي مع الملفات الاجتماعية، انطلاقا من مبدأ ”لكل مقام مقال“، بمعنى اخر، فان الاصرار على الاسلوب الفوقي، ورفض الدعوات الساعية، للتعاطي بنوع من التواضع مع المتلقي، يمثل احدى الثغرات الكبرى في اتساع الهوة، بين اصحاب الخطاب التوعوي والقاعدة الشعبية، لاسيما وان القاعدة الشعبية حريصة على التقاط الخطاب وفقا للمستوى الثقافي، بعيدا عن التعقيد، واستخدام الخطاب الفوقي، وبالتالي فان الاحترام المتبادل يمثل القاعدة للانطلاق، بهدف الالتقاء عند نقاط مشتركة في توحيد الرؤى، ومحاولة صياغة خطاب قادر، على الاستيعاب بعيدا عن الاسلوب ”المتعالي“.

التحرك وفق قاعدة الاحترام المتبادل، وامكانية ايصال الرسالة بشكل واضح، بعيدا عن الالفاظ الفوقية، يشكل عنصرا اساسيا في القدرة، على احداث الحراك الاجتماعي الايجابي، لاسيما وان النظرة الفوقية تجلب الويلات على المجتمع، جراء الانقسام الداخلي، فالطبقة النخبوية تحاول تبرير موقفها الفوقي، بانعدام البيئة المثالية للاستيعاب، فيما القاعدة الاجتماعية تفسر التعالي بنوع من الاحتقار، مما يؤدي الى احداث القطيعة بين الطرفين، وبالتالي تفويت الفرصة لاحداث انقلاب جوهري، في الحراك الثقافي الجمعي.

كاتب صحفي