آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

الانتقائية.. التناقضات

محمد أحمد التاروتي *

يتقن البعض تفجير قنابل صوتية بين فترة واخرى، بهدف اشغال الرأي العام من جانب، واستقطاب الاضواء من جانب اخر، فهؤلاء لا يجدون غضاضة في تناول الملفات الشائكة، بطريقة سطحية واحيانا بطريقة ساذجة، من اجل تحقيق الغايات الذاتية بعيدا عن المرامي العلمية، بمعنى اخر، فان إلقاء صخرة كبرى في مياه البيئة الثقافية، لا يهدف للحصول على النتائج العلمية، وإنما لاحداث تموجات اجتماعية وانقسامات حادة، مما يولد حالة من الرضا، لدى هذه النوعية من البشر.

التعاطي بمسؤولية مع الملفات الكبرى امر مطلوب، خصوصا وان تناول تلك القضايا، بحاجة الى مناقشة على مستويات نخبوية، من اجل الإجابة على الأسئلة الحائرة، فيما طرح تلك الملفات بشكل فوضوي وعشوائي، يتسبب بحالة من انعدام الرؤية، وسيطرة الاّراء الارتجالية، فضلا عن احداث حالة من الحراك غير الصحي في المجتمع، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الحالة الثقافية السائدة، مما يستدعي ايجاد القنوات القادرة، على ايجاد الحلول بعيدا عن الحالة العاطفية، والتصادمية، التي تظهر بشكل واضح، بمجرد اثارة بعض القضايا الحساسة او الكبرى.

جس النبض يمثل احد الأدوات المستخدمة، من اصحاب الحالة الانتقائية، فهذه الفئة تتحرك وفق مبدأ ”اضرب واشرد“، من خلال إلقاء القنابل الصوتية لاحداث الضجيج، مما يولد نوعا من القراءة، لردود الفعل لدى المجتمع، الامر الذي يؤسس للخطوة القادمة، سواء من خلال الانغماس بشكل كامل، في التصادم مع القناعات الثقافية، عبر استخدام مفردات مبهمة احيانا، واعادة القراءة مجددا احيانا اخرى، بينما يتخذ خطوة تراجعية بمجرد الشعور بالخطر، وظهور مؤشرات بالعواقب الوخيمة، على الصعيد الشخصي، الامر الذي يفسر ”اظهار الندم“ في إطلاق تلك المواقف الصادمة، من خلال التعهد بمراجعة القراءة الجديدة، بما يحقق الانسجام الاجتماعي.

الخشية من العثور على الملفات الماضية، تمثل احدى النقاط السوداء، التي يحاول اصحاب المواقف الانتقائية، دفنها تحت التراب، والحيلولة دون انكشافها امام الرأي العام، خصوصا وان هذه الفئة تتحرك لكسب التأييد الاجتناعي، عبر مفردات براقة بعيدا عن المنهج العلمي الرصين، وبالتالي فان انكشاف الخواء العلمي يمثل ضربة قاضية، بمعنى اخر، فان اخفاء الملفات الماضية ليس مانعا من اظهار الوجه الجديد، بقدر يكشف الخوف الكبير، من التعرف على الحقيقة الناصعة، لاسيما وان المآرب الشخصية تمثل احد الاسباب الرئيسيّة، وراء التستر بإعادة القراءة الجديدة، للملفات الثقافية الكبرى.

التركيز على ملفات محددة، يضع علامات استفهام كبرى، بشأن الغايات المرسومة، فالبحث العلمي لا يستدعي الضرب تحت الحزام، بقدر ما يتحرك للتأسيس على المشتركات، للانطلاق نحو الامام بقوة، وبالتالي فان اثارة قضايا تمثل قناعات جمعية، تهدف الى خلق بلبلة داخلية، الامر الذي يتطلب رفع الوعي الجمعي، لقطع الطريق امام هذه النوعية من الافخاخ، لتفادي الوقوع في مصيدة اصحاب المواقف الانتقائية، لاسيما وان التفاعل غير الواعي في التعاطي مع الاشكالات، غير المتوازنة لتناول القضايا الكبرى، يخلف العديد من الاثار السلبية على النسيج الاجتماعي، جراء حالة الاستقطاب غير المدروس، لاقتناع بعض القراءات غير العلمية، او القائمة على استنتاجات غير دقيقة.

كاتب صحفي