آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

أجسادٌ واقفة

المهندس هلال حسن الوحيد *

منذ أن علمتني أمي الصلاةَ صار بينها وبين الشيطانِ سباقٌ من يصل إلى قلبي ويملكني أكثر، هي الصلاةُ أم الشيطان. تعلمنا في الصفوفِ الأولى من المدرسة أننا إذا قسمنا عدداً موجباً على صفرٍ ننتهي بناتج لا نهاية. جوابٌ لا يعني شيئاً لنا فلا شيءَ أو زمنَ ندركه في عمرنا يكون لا متناهياً.

لكن يمكننا تخيل المالانهاية عندما نقف للصلاةِ، وهكذا دوماً الصلاة هي وقت التفكير، لو رأينا الزمنَ امتد بنا دون أن نموت وفكرنا في وقتنا على الأرض نعرف أن المدةَ التي نعيشها هي متناهيةٌ في الصغرِ عندما نقيسها بذلك الزمن الممتد. ومع هذه المعرفة ينجح الشيطانُ في إقناعنا بعكسِ الرياضيات وأن النقطةَ المخلوطةَ بالمتاعبِ هي أجمل وأحلى من الخطِّ المستقيم اللامتناهي من الرفاهيةِ والراحة. نحمل همومَ تلك النقطة في الزمن ونفرغها عندما نقف للصلاة. يعطينا الشيطانُ كُلَّ الحلولِ المستعصية  ونتذكر كلما نسيناه منذ سنين وكلما علينا أن نفعله في السنينِ القادمة.

عندما تعلمتُ الصلاةَ كان فيها أن في تلك اللحظاتِ تتحرر نفسي من ذلك السباق وتكون آسفةً ومهتمةً كيف تكون خلاصة نقطة عمري في الزمنِ ولا أستسلم في أولِ ثانيةٍ من السباق. أنا في حضرات من أخاف من تقيمه لي لا أنام وأنظر إليه بكل ترقب وفي صلاتي تنامُ روحي وجسدي. لا أخطأ في الأعدادِ منذ حفظتها حتى الملايين ولكنني لا أستطيع العدَّ حتى الرقم ”4“ في ذلك السباق.

يأتي يومٌ سوف أستيقظ فيه ولا يستطيع الشيطانُ أن يسبقنى ولكن بعد أن يلحدني الناسُ تحت طبقاتِ الأرض ويكون عملياً انتهى ذلك السباق بيني وبين الشيطان. يعدنا الشيطان أن يعطينا الراحةَ والمتعةَ حالاً وهو لا يستطيع ويعدنا الربُّ أن يعطيناها حالاً ولا تتناهى في الزمنِ وهو يستطيع لكننا البشر نقول للشيطانِ تعالَ وهاتِ ما عندك، حبذا لو التقينا وقتَ الصلاةِ فهو الوقت الوحيد الذي نفرغ فيه لكَ أيها الصديق!

عندما علمتني أمي الصلاة كان في خاطرها أنمَا علمتني هو حالةُ تضاد من قوةٍ وإنكسار وخوف ورجاء وعشق وبغض وألمٌ ومتعة وفرحٌ وحزنٌ. حالاتٌ عندما أكون فيها أسأل الشيطانَ ماذا تبتغي مني الآن؟ أنا مشغولٌ بحضرته عنك، لكنني بما أنا إنسانٌ تعلمتُ الصلاةَ أنها ليست سوى سباقٌ أخسر فيه لصالح الشيطان فلا تفلتني من يدك يارب، أنا محتاجٌ إليك هلا أعنتني أن أتمردَ على الشيطان وأفوز! علمني يا ربِّ أن أحبكَ ولا تكون صلاتي جسداً تافهاً واقفاً بل جسداً وروحاً وعقلاً يأبى أن ينكسرَ ويخسر.

مستشار أعلى هندسة بترول