آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

اللذة والبحث عن السعادة

عباس سالم

اللذة غير السعادة. فاللذة تحتاج إلى ثلاثة عناصر لتكتمل، فهي تحتاج إلى مال وإلى صحة وإلى وقت. ولحكمة بالغة فإن الإنسان يلازمه نقص واحدة من هذه الأُمور خلال مسيرته في هذه الحياة.

فالإنسان في بداية حياته يكون له صحة، وباستطاعته أن يأكل كل شَيْء، ولديه وقت، لكن ليس لديه مال واللذة تحتاج إلى مال. وفي منتصف حياته يرتبط بعمل ويكون لديه مال ولديه صحّة ولكن ليس لديه وقت. وعندما يكبر في السن ويترك العمل ”يتقاعد“ يكون لديه وقت ولديه مال ولكن ليس لديه صحة، فقد يصاب بأمراض مثل السكر والضغط وغيرها.

ومنذ أن خلق الله البشر كان البحث عن السعادة هو الغاية المنشودة لهم، وفي قصة نبينا آدم كان البحث عن السعادة هو السبب في ارتكاب الخطيئة الأولى، والبحث عن الخلود والحياة الأبدية وإشباع رغبة التملك قال تعالى: ”هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى“.

إن دورة الحياة قد بدأت مع الجيل الأول بعد آدم وظهر مفهوم إسعاد النفس، ومنها تطور المفهوم ليشمل الرغبة في البقاء والتميّز عن الآخرين، ومع نمو وازدهار البشرية استمر تطور واختلاف مفهوم السعادة ولكن لم تتغير الرغبة في البحث عنها.

فالإنسان يقضي عمره في البحث عن السعادة ومسبباتها ومنها المال، وامتلاك منزل وسيارة، والحب والشهرة، وتحقيق إنجاز وظيفي وغيرها، ولكنه سوف يكتشف في النهاية أن السعادة ليست في ما يملكه الإنسان أو في محطة يستوجب الوصول لها ليعيش حياته سعيداً، ولكن الحقيقة أن السعادة هي في رحلة الحياة التي يعيشها الإنسان مع الله تعالى في سعيه وراء السعادة.

إن القيم والمبادئ الإنسانية التي يلتزم بها الشخص هي أهم شرط لتحقيق السعادة عن قناعة في هذه الحياة، ويعمل على إرسائها وتطبيقها في حياته ومن ثم الإحساس بالراحة النفسية وقوة الإيمان في داخله.

النظرة المتفاوتة والمتعارف عليها عند البشر لتحقيق مسببات السعادة هي مثل تلك التي يعيشها معظم الأثرياء والمشاهير وأصحاب السلطة، وظنهم بأن هؤلاء قد حققوا أسباب السعادة الحقيقية، ولكنهم في الحقيقة لم يتوصلوا إلى الشعور الحقيقي للسعادة وهو الرضا عن النفس والتوافق مع الذات، والذي لا يكون دون رضا الرب سبحانه وتعالى.

ولهذا تجد إنساناً يعيش في قصر ويملك أموالاً طائلة وقد تجده أشقى الناس ”وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى?“ وفي المقابل تجد إنساناً بسيطاً لا يملك أموالاً طائلة ويعيش في بيت متواضع لكنه على اتصال دائم مع الله تعالى ومتواضع مع أبناء مجتمعه، فلا يظلم أحداً ولا يغتاب أحداً وصاحب قيم ومبادئ إنسانية مع الناس! فتجده هو من يملك السعادة.

العالم اليوم لم يترك مجالاً للشغف والحنين للماضي، إذ ربما ولّى الزمن الذي كان فيه الناس سعداء يستأنسون لبعضهم البعض في البيت والمدرسة وبين الأحياء، والذي لا زال ذكرهم حاضراً اليوم عندما نرى تلك البيوت الصغيرة في حجمها والكبيرة في نفوس ساكنيها في الأحياء التراثية، والمنطقة القديمة في جزيرة تاروت ”الديرة“ واحدة من الأحياء الجميلة والشاهدة على ذلك.

خلاصة الكلام هي: إن السعادة موجودة بيننا، فهي موجودة بتواضعنا مع الناس في المجتمع فلا تتكبر على أحد، وهي موجودة في الابتسامة الدائمة مع الآخرين فلا تكره أحد، وهي موجودة في القبلة التي نطبعها على جبين أطفالنا قبل النوم والتي تعادل الدنيا وما فيها، فلنعش بسعادة بدلاً من اللهث وراء أسباب السعادة.