تكسير «القدو» فرحاً بـ «ربيع» في القطيف.. ولا صلة لها بالمناسبات الحزينة
”كسر القدو“ على الابواب والطرقات بالقطيف من الموروث الثقافي الذي توارثته الاجيال منذ عقود طويلة، حيث تبدأ النسوة في تحطيم الاواني الفخارية مع انتهاء شهر صفر وحلول شهر ربيع الاول، اذ يعتقد ان ”كسر القدو“ يذهب النحس.
وعلى رغم تشديد البعض لأن تلك العادات «ليس لها أي جذور دينية». فيما لا يستسيغها البعض الآخر؛ يتمسك الأهالي بها لأنها «تعيدنا إلى جذورنا وتذكرنا بالماضي، بكل ما فيه من أفراح وأحزان» بحسب قولهم.
حرقناك ياصفر
وتردد النساء بعض الاناشيد مثل ”حرقناك ياصفر، يا بو المصايب والكدر، وطلع صفر، طلع صفر يا نبي الله، طلع صفر بشرته وشروره، جانا ربيع بفرحته وسروره، طلع صفر أميمتي سالمه، وعدوتي في المقبره نايمه“.
التطير والتشاؤم
وأكد الشيخ محمد العمير، أن ثقافة التطير والتشاؤم تعارض النصوص الشريفة التي تحث على اعتماد منهج التوكل بعد تهيئة المقدمات والإلتجاء إلى الله تعالى، مستشهدا بما ورد عن النبي ﷺ بأنّه قال: ”كفارة الطيرة التوكل“.
واضاف، ان شهر صفر مثله مثل غيره من الشهور، وإن وافقنا على فكرة أن هناك بعض الأزمنة نحسات، فليس لنا سبيل للاهتداء لذلك إلا عبر الروايات المعتبرة والصحيحة، وهذا ما لا نجده في الحديث عن شهر صفر.
تقليد موروث شعبي
وأوضح الاختصاصي الاجتماعي محمد الشيوخ أن هذه العادة ما هي إلا تعوّد على سلوك معين، فيعتز الناس بموروثهم الشعبي جيلاً بعد جيل.
وأضاف ”قد يقوم الناس بمثل هذه العادات دون أن يعرفوا فلسفتها، وقد تُفعل دون اعتقاد ديني، وكل ما في الأمر أنهم وجدوا أجدادهم وآباءهم يقومون بها، فيقلدون ذويهم معتزين بإرثهم“.
لا صلة لها بالمناسبات الحزينة
وقال الاديب والمحقق والباحث عدنان العوامي لا يبدو سبب معروف لمنشأ هذه الاحتفالات.
واشار الى ان البعض يظن أنها مرتبطة بمناسبة دينية أو عقائدية للشيعة لما يتخلل تلك الفترة من ذكرى مقتل الإمام الحسين ، في العاشر من المحرم، وعودة السبايا من حرمه وأطفاله إلى كربلاء في العشرين من شهر صفر، وذكرى وفاة النبي محمد ﷺ، إضافة إلى مناسبات وفَيَات عدد من الأئمة من أهل البيت ، لكن هذا التعليل لا يجد ما يسنده من الأدلة العلمية بكل أسف.
وقال الباحث العوامي لا صلة لتلك الاحتفالات الفولكلورية البهيجة بأي من تلك المناسبات الحزينة الباكية، لا سيما وأنها تتم بمعزل عن الشعائر الدينية التي تؤدى في الاحتفالات الدينية وإن كانت تتفق وإياها زمنيًّا.
واضاف منتصف الخمسينات من القرن الميلادي المنصرم، القرن العشرين، كانت تقام في القطيف وقراها، كما في غيرها من البلاد المجاورة لها، كالأحساء، والبحرين، بعض الاحتفالات الشعبية، في مواسم معينة، مثل احتفالات صفر وربيع، تبدأ من عصر اليوم الثامن والعشرين من صفر، وتستمر حتى آخر اليوم التاسع من شهر ربيع الأول من كل عام.
وبين ان صورة تلك الاحتفالات أنها في أصيل اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر، وبعد اختتام العزاء بمناسبة وفاة النبي محمد ﷺ، التي تصادف ذكراها ذلك اليوم، يتجمَّع أهل كل بلدة، أو قرية، في ساحة عامة، الرجال والصبيان في ساحة، والنساء والصبايا في ساحة أخرى خاصة بهن.
واشار الى ان كلُّ فريق يتحلَّق حول نار يضرمونها في أشتاتٍ من الوقود، خصوصًا القَضقَاض وسعف النخل، ويرقصون حولها مرددين الأهازيج والنشائد، ومنها: «أبو صفيروه صفر، طلع من لحضار، طفر».
واوضح العوامي انه عند غروب الشمس لآخر يوم من شهر صفر تقوم النساء بكسر الجرار والأكواز القديمة تفاؤلاً بانتهاء موسم الأحزان والأكدار، ويقلن وهن يقذفن بالجرار والأكواز: «طلع صفر حندوبتي سالمة»، «الحندوبة: حدبة الظهر، وهي بروز فيه بسبب الشيخوخة، النون والواو زائدتان».
واشار إلى أن عادة كسر الجرار معروفة في العراق كذلك، وإن اختلفت بعض التفاصيل، ولا أعلم إن كانت عادة إشعال النيران معروفة أم لا.