آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الاحتفال.. المآسي

محمد أحمد التاروتي *

صورتان متناقضان تماما، فالاولى تتمثل في الصورة الباسمة لقادة الدول الغربية، احتفالا بمرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الاولي في العاصمة الفرنسية، مما يعكس حالة الرخاء والاستقرار الذي ينعم به القسم الغربي من الكرة الارضية، فالشعوب الاوروبية على اختلافها بعيدة عن ويلات الحروب واصوات المدافع وغيرها من المآسي التي عاشتها ابان الحرب العالمية الاولى.

فرحة الدول الغربية جاءت على حساب خيرات الدول العربية، فقد اسست الحرب العالمية الاولية لحقبة مأسوية من الاستعمار المباشر للدول المنتصرة في الحرب على حساب تركة السلطنة العثمانية، حيث عمدت بريطانيا وفرنسا لتقسيم الغنائم، مما ساهم في تقسيم الحدود بين الدول العربية، والتي عرفت ب ”سايس - بيكو“ التي ساهمت في ظهور الانتداب المباشر للكثير من البلدان على المستوى العالمي.

انتهاء الحرب العالمية الاولى تكشف الوجه الخفي للويلات، التي تركتها المعارك الطاحنة الساعية، للقضاء على ”الرجل المريض“، والعمل للاستيلاء على مناطق نفوذه في العالم الاسلامي، فضلا عن البؤس الذي عاشته الشعوب العربية والاسلامية، نتيجة الاستعمار المباشر من قبل بريطانيا وفرنسا، مما ساهم في ظهور الدعوات لمقاومة الاحتلال، والدعوة للاستقلال، وانهاء هذه الحقبة المظلمة من الاستعمار المباشر، وبالتالي فان التقاط كاميرات التلفاز للحالة الحميمية، لبعض قادة العالم في باريس، للاحتفال بمرور قرن على الحرب العالمية الاولى، تخفي خلفها الكثير من الملفات المظلمة، طيلة فترة الاستعمار، بحيث ما تزال تداعياتها ماثلة حتى الوقت الراهن.

بينما الصورة الثانية، تتمثل في صور الدمار، والبؤس، الذي تعيش العديد من اجزاء من دول الشرق، بالكرة الارضية، فالتشريد والفقر والموت، مفردات تتردد بشكل يومي، في مختلف نشرات الاخبار، بحيث اصبح الرخاء والسلام؟ حلم يراود شعوب الدول، التي تكابد مآسي الحروب الطاحنة، المستمرة منذ سنوات طويلة.

الشعوب العربية تواجه كابوس الحرب، منذ سنوات طويلة، فهناك جهود كبيرة للتأقلم مع انعدام الاستقرار، واستمرار اصوات الرصاص، بيد ان تلك الجهود ليست قادرة على الصمود، نظرا لوجود اجندات خارجية، تهدف لتكريس الفقر، وعدم الاستقرار في المنطقة، مما يبدد كافة الجهود الهادفة، لانهاء الصراعات بشكل سلمي، الامر الذي يفسر نشوب صراعات جديدة، بين فترة واخرى، في اكثر من بقعة في الجزء الشرقي، من الكرة الارضية.

تنامي الجماعات المتطرفة في المنطقة، يمثل احد الوجوه البارزة، لتكريس الاضطراب، خصوصا وان هذه الجماعات تتخذ من العنف شعارا، في مختلف البلدان، التي تمارس انشطتها فيها، مما يزيد من حالة الفقر والبؤس في الشعوب، لاسيما وان الجماعات المتطرفة تجد دعما سياسيا، من لدن بعض القوى، وبالتالي فان التحرك باتجاه تحقيق السلام، واعادة الامن والاستقرار للمنطقة، يبدو حلما بعيد المنال، نظرا لاستمرار تفريخ مثل هذه الجماعات، في اكثر من منطقة، وامتلاكها القدرات المالية الضخمة للعبث بالاستقرار.

تبقى صورة الوجوه الباسمة في باريس، وصورة الاطفال المشردة في شوارع دول الشرق، دلالة على النفاق العالمي، في تكريس الرفاهية على شعوب الغرب، وحرمان مجتمعات الشرق من العيش بسلام، مما يستدعي وضع اطار اخلاقي، ينهي التناقض القائم، بين الجزء الغربي من العالم، والطرف الشرق من الكرة الارضية.

كاتب صحفي