آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

الانتصار.. الهزيمة

محمد أحمد التاروتي *

اعلان النصر الكبير.. اطلاق الأناشيد.. تنظيم فعاليات الانتصار.. ممارسات مألوفة بمجرد انتهاء الحروب، وبدء مرحلة جديدة، حيث تتحرك اطراف الصراع لإعلان النصر من طرف واحد، مما يحدث من الالتباس وضياع الحقيقة، لاسيما وان كل طرف يدعي هزيمة الخصم، وتحقيق الانتصار الكبير على العدو الغاشم.

ادعاء النصر عملية صعبة للغاية، نظرا لعدم رفع رأية الاستسلام من احد الاطراف، فجميع الاطراف اكتوت بنيران الصراع طيلة فترة المعارك، بيد ان الاطراف المتصارعة بقيت صامدة حتى النفس الاخير، مما أوجد قناعة مشتركة بعدم جدوى الاستمرار حتى النهاية، الامر الذي أفضى للدخول في مفاوضات مباشرة او غير مباشرة، للاتفاق على إنهاء الحرب بشكل نهائي، نظرا لاستنفاد جميع الوسائل المتاحة لإلحاق الهزيمة بالخصم، وبالتالي فان الصمود غير المتوقع لاحد الاطراف، يدخل اليأس في النفوس بمرور الزمن، مما يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها تناسي العداء، والدخول في حالة وئام، او تخفيف حدة العداء بشكل تدريجي.

التحرك الاحادي لإعلان الانتصار، يجابه بمقاومة عنيفة من الطرف المقابل، مما يدفعه لاتخاذ مواقف قريبة او مشابهة، مما يسهم في تعقيد الامور كثيرا، لاسيما وان ادعاءات النصر، تأخذ في الاعتبار الرأي العام الداخلي اولا، والرأي العام العالمي ثانيا، الامر الذي يفسر الاحتفالات الكبيرة لدى وسائل الاعلام الداخلية، بهدف تكريس قناعات لدى القاعدة الشعبية بالانتصار الكبير، حيث يبدأ الاعلام في تسطير الملاحم الكبيرة، خلال فترات الصراع، فهي لا تخلو في الغالب من المبالغة، والتضخم واحيانا مجانبة الحقيقة، بهدف تحقيق اهداف عديدة من وراء ادعاءات النصر.

التسليم بالهزيمة عملية صعبة للغاية، خصوصا وان التداعيات المترتبة على الإقرار بخسارة الحرب، ليست خافية على الجميع، لاسيما وان القاعدة الشعبية ستعمد لاتخاذ مواقف مغايرة، تماما تجاه الاطراف الداعية للاستمرار في الحرب، وعدم الاستماع لصوت العقل، بضرورة التحرك باتجاه السلم، وبالتالي فان الإقرار بالهزيمة يحدث صدمة كبرى لدى القاعدة الشعبية، بمعنى اخر، فان اعلان النصر يهدف لامتصاص ردود الافعال السلبية، بمجرد انكشاف الحقائق على الارض، فالعملية مرتبطة بالمزاج الشعبي بالدرجة الاولى، بغض النظر عن الامور الاخرى احيانا.

الهزيمة طعمها مر للغاية، لذا فان الجميع يحاول تذوق حلاوة الانتصار، على تجرع مرارة الخسارة، لاسيما وان الانتصار يحقق الكثير من المكاسب على الارض، مما يساعد في زيادة القاعدة الشعبية، فضلا عن الاثار الايجابية الاخرى، بخلاف الهزيمة التي تجلب العار، وتفقد القاعدة الشعبية، وبالتالي فقدان المكانة السابقة على مختلف الاصعدة، بمعنى اخر، فان العملية مرتبطة بمبدأ الربح والخسارة بالدرجة الاولى، مما يستدعي تقديم الربح على التداعيات المترتبة على الخسارة، فالمبادئ الاخلاقية ليست واردة على الاطلاق، في حال تعارضها مع المصالح الشخصية.

محاولة رسم اوهام الانتصار بدون مبررات واقعية، تكون انعكاساته كبيرة، فالعلاقة مع النصر ليست سهلة على الاطلاق، مما يستدعي التحرك الحقيقي للوصول الى نشوة النصر الحقيقي، لاسيما وان الخصم يعمل جاهدا لتوجيه الضربة القاصمة، وبالتالي فان محاولة خداع القاعدة الشعبية بانتصار كاذب، عملية محفوفة بالمخاطرة على اكثر من صعيد.

كاتب صحفي