آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

التصعيد.. الصفقة

محمد أحمد التاروتي *

سياسة ”العصا والجزرة“، تمثل اكثر السياسات ممارسة في التعاملات الحياتية، خصوصا وان ”العين الحمراء“ ليست الخيار المناسب على الدوام، وكذلك الامر بالنسبة ”للصفح والتسامح“، فاتخاذ مواقف متشددة والتصادمية امر مطلوب، لكسر الشموخ او القوة لدى الطرف المقابل، لاسيما وان احساس الخصم بضعف غريمه، يدفعه لانتهاج سياسات اكثر تصلبا وشدة، مما يدفع لاتخاذ موقف التصعيد منذ البداية، لتفويت الفرصة على الخصم للامساك بزمام المبادرة، وبالتالي تضييق هوامش واسعة من المناورة،، والتهرب من المسؤولية او الاعتراف بالمواقف الخاطئة.

انتهاج موقف التصعيد بشكل دائم يجانب الحكمة، فالعملية مرهونة بموقف الطرف المقابل، بحيث يكون الموقف التصادمي ضرورة، مع اصرار الخصم على انتهاج ”التشدد“، ومحاولة ممارسة الضغط للحصول على تنازلات كبرى، بيد ان التمسك بالمواقف التصعيدية يكون سببا في خسارة بعض المكاسب، جراء رفض الاصوات الداعية لتخفيف من حدة الموقف، الامر الذي يدفع لمواقف مشابهة، وبالتالي تكريس حالة من الخصام الدائم، وتوسيع شقة الخلاف، مما يحول دون الالتقاء عند نقاط مشتركة.

دراسة المواقف المناسبة قبل الاقدام عليها، عملية ضرورة وخطوة اساسية، لاسيما وان الدخول في معارك حامية، مع خصوم يتطلب الوقوف على نقاط الضغف، والتعرف على عوامل القوة، وبالتالي فان الموقف التصعيدي يكون مرحليا، ولفترة مؤقتة، باعتباره تعبيرا عن ”الامتعاض“، والرفض، وليس موقفا ثابتا على الدوام، فالخلافات قابلة للحل، واعادة المياه الى مجاريها مجددا، من خلال الحصول على بعض المكاسب، والخروج من المعركة، بحلول مرضية للجميع الاطراف، على مبدأ ”الجميع منتصر“، و”لا غالب ولا مغلوب“.

التحرك بمواقف متشنجة دون معرفة سابقة، بردات فعل الطرف المقابل، تخلق العديد من الاشكالات سواء كانت آنية او مستقبلية، لاسيما وان الطرف المقابل يحاول استغلال، تلك المواقف التصعيدية بطريقة احترافية، من اجل التعرف على الثغرات، ومحاولة استغلالها بمختلف الاشكال، مما ينعكس سلبيا في نهاية المطاف، بمعنى اخر، فان التحرك الواعي عملية ضرورية لتفويت الفرصة، وسد جميع الطرق امام الخصم، وبالتالي اغلاق جميع سبل المناورة، لتحقيق مكاسب على الارض.

التصعيد يلعب دورا محوريا، في اجبار الخصم على تحريك الاطراف المحايدة، للبحث عن حلول لانهاء الخلافات بطريقة مرضية، فالخوف من تداعيات المواقف المتشددة، واستمرار تدحرج الكرة بشكل كبيرة، يشكل احد العناصر وراء التحرك الجاد، لخلق الظرف الملائم لبدء مرحلة جديدة، تقوم على مبدأ ”عفا الله عما سلف“، وتناسي الماضي وفتح صفحة جديدة، الامر الذي يتمثل في الجلوس على طاولة المفاوضات، لاطلاق قطار السلام ووضع الشروط على الطاولة، من اجل التوصل الى صيغ قادرة، على انهاء الخلافات بشكل فوري او مرحلي.

الحصول على الصفقات المربحة، يمثل احد اسباب التصعيد الكبير، فالخلافات بحاجة الى اساليب مختلفة، لتحقيق الانتصار السياسي بالدرجة الاولى، مما يستدعي تحريك ”العين الحمراء“ منذ البداية، من اجل اعطاء الخصم انطباعات واضحة، بضرورة تحاشي الاستمرار في الصراع، ومحاولة تقديم اغراءات مجزية، لتفادي توسيع الخلاف بشكل دائم، الامر الذي يتمثل في ابرام صفقات سواء كانت سرية او علنية، بيد ان تلك المساعي ليست ناجحة على الدوام، نظرا لوجود مقاومة شديدة من الخصم في كثير من الاحيان، مما يفضي لتقديم التنازلاتى وتحقيق بعض المكاسب على مبدأ ”الانتصار الجزئي“ كونه افضل الممكن.

كاتب صحفي