آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

المتقاعد: ذاكرة ”كاروشي“ النشيط جدا.. واعمال ”كرشي“ الكسول جدا

المهندس أمير الصالح *

مصطلح ”كاروشي «الكتابة اليابانية 過労死»“ هو مصطلح ياباني يرمز للأشخاص المنغمسين في العمل حد الإفراط overwork، حتى التعرض لـ الموت الفجائي. وهذا الإفراط الناتج عن الانخراط بالعمل او الاعمال يناظره انواع اخرى من الإفراط في انشطة اخرى ولكن بدرجات اقل حدة وتصنف ك workaholic «مدمن العمل» ولاتؤدي الى الموت المفاجئ. في ثقافة بعض الشعوب الاخرى غير اليابانيون ينغمس الموظفون بالعمل الى درجة الانتكاسات الصحية المتعددة ك الاكتئاب او التوتر الشديد او القلق المفرط حد الإصابة باحد امراض القلب القاتلة او الضغط النفسي او الاختلال الهرموني نتيجة لتقلبات المزاج الحادة والانتكاسات النفسية المتعددة في بيئة العمل؛ وهذا يؤدي الى التفريط بجوانب الحياة الاخرى ك العلاقة مع الابناء او الجيران او افراد المجتمع او الصحة او الترويح او التثقيف الذاتي.

في مجتمعات الشرق الاوسط بحمد الله العلي القدير نسبة الابتلاء ب ظاهرة ”كاروشي“ في العمل اقل حدة من اليابان بكثير. الا ان هناك ظواهر سلوكية جديدة تستحق الوقوف عندها وطرحها على طاولة النقاش. وكتمهيد نكتب التالي: الان ومع تزايد نسبة المتقاعدين بين ابناء المجتمع، فقد يكون من الحكمة بمكان ان نتدارس ك ابناء مجتمع ووطن واحد طرق مساعدة وطرق تحويل ساعات الفراغ الممتدة لبعض المتقاعدين. وساعات الفراغ لدى بعض المتقاعدين ممتدة من ثمان الى احدى عشر ساعة يوميا بالحد الافتراضي الادنى. لاسيما انه نفترض منطقيا انه يشعر البعض منهم ب شبه فراغ تام وطغيان التنصل من اي مسؤولية لدى البعض. هذا الشعور بشبه الفراغ لدى البعض ممن تقاعد او احيل على معاش التامينات الاجتماعية يصاحبه تسلل الشعور للبعض منهم بعدم الانتاجية؛ وقد يتحول ذلك الشعور الى شعور مسيطر على صاحبه حتى يبلغ مرحلة الشعور بعدم الاهمية obsoleteness. وهذا الشعور الاخير اذا ما سيطر على صاحبه فانه يوطن لدى الضحية الانزلاق في درجات متنوعة من الإحباط او الاكتئاب الشديد او الانعزال التام أو التيه او الرثاء للذات او حتى التهميش الذاتي الصرف.

طبيعيا بان لكل فئة مهنية او وظيفية تصنيفات تتمرجح بين الإيجاب والسلب، ف المتقاعدين بعضا منهم نشيطون وفاعلون ويشعون حيوية واخرون كسلاء وكثيري التذمر وسلبيين التفكير. فالنشيطون من المتقاعدين يستثمرون أوقاتهم ويدورون recycling طاقاتهم بتعدد الانشطة واعادة اكتشاف هواياتهم والمساهمة الفاعلة في الانشطة الاجتماعية والاسرية والاستشارية والتوجيهية والكتابية وما سواها داخل محيطهم وخارجه. والكسولون يعتزلون اي نشاط ويهربون من اي مسؤولية ويكثرون التسدح على المراتب ويطيلون ساعات النوم وتزيد معدلات التذمر والتحسر على الذات عندهم. اسجل في حق الصنف الثاني من الكسولين جدا مصطلح اخترته وهو مصطلح ”كرشي“ بمعنى الممتلئ البطن بشكل مفرط ك مقاربة لفظية عكسية المعنى للمصطلح الياباني ”كاروشي“. وادعي بان هذا الاصلاح الفني لغويا، اول من وظفه للمعنى المطروح هنا هو انا وذاك الادعاء فقط وفقط ليتم لي حفظ الحقوق الفكرية.

رجعة للحديث، طبيعيا عندما يستشعر اي متقاعد نعمة الوقت والاستقلالية في قرار التصرف التام بساعات نهاره فان البعض يستثمرها خير استثمار. فمثلا بوجود فترة غداء تمتد لمدة ساعتين بدل نصف ساعة ايام الانضباط بساعات وقوانين دوام العمل، فهذا شي ممتع. وهذا ايضا ينطبق على وقت الذهاب لـ النوم والاستيقاظ المبكر. وعندما يستشعر المتقاعد نعمة الاختيار كأن يُمارس كل يوم النشاط الذي يحبه لا الذي يُفرض عليه او ان يعمله لارضاء رؤوساءه بالعمل. وكجملة اعتراضية، نسال الله لكل متقاعد دوام السعادة والصحة والانتاج.

استدراك نعمة الحرية في اتخاذ القرارات وتنفيذها تجاوزك مرحلة الشعور ب تسخير نفسك من اجل صيانة مصدر رزقك او الخشية من ذوق فلان او تحزبات علان او مناطقية ”س“ من الناس او قبلية ﷺ من الناس. ايام إنجازك عملك لصيقة بالالتزام بالأوامر والتفكير المعلب داخل الصندوق ومجاملة جميع من يؤثرون في مسيرتك الوظيفية. المتقاعد الفطن حتما يتلمس النعمة ويصون المكاسب ويبدع في الحياة ويترك بصمات حسنة مشعة في اركان بيته ومجتمعة.

بعد هذا الكلام نتسأل ماهي ”الحكمة من الكلام بعاليه، The morale of the story“، وهذا ما تردده كتب الحكم في الادب العالمي عند استعراض اي حديث. الحكمة هو انه قد لا يتذكرك احد ما في مكان عملك بعد مضي فترة من الزمان وقد تلغى او تختفي كل مسميات وظائفك السابقة من سوق العمل او قد تختفي اسم الشركة التي عملت بها ولكن خصائصك السلوكية الانسانية عند المحيطين بك سيستشهد بها اصدقاء العمل والاحفاد والاصدقاء والاسرة لاسيما ما يسجل على انه سلوك انطبع بشخصك ولكل منا في الغد نصيب من الذكرى. فمن الجميل ان نترك ذكرى عطرة ونحن على رأس العمل او في فترة الاستمتاع بالتقاعد ولعل صفة نشيط وفاعل كصفة تلتصق بالانسان خير من ان يقال كسول ويربي كرشه.