آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

تأوه منيب

السيد فاضل علوي آل درويش

ورد عن رسول الله ﷺ: «... ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا، وهو يعلم أن لي أن أعذبه أو أعفو عنه، عفوت عنه» «وسائل الشيعة ج 16 ص 60».

في لحظة غفلة عما يعقب مقارفة المعصية عندما يرتكب العبد المسيء ظلما في حق نفسه، ولضعف في نفسه ومناعتها تجاه هتاف الشهوة، لهث مهرولا خلف خطيئة هوت به في وادي اللؤم، فبدلا من شكر المنعم المتفضل بحفظ النفس بتوقي مواطن سخط المولى، إذا بقدمه تزل ويلوث نفسه بدنس الموبقات، فآه لهذا الإنسان الذي يتثاقل عن الاستجابة لنداء العبادة بيد أنه يسرع نحو الذنوب، فماذا نقول لمن قابل الإحسان الإلهي بالإساءة؟!

أولى خطوات إصلاح ما اقترفه من معصية هو الإقرار والاعتراف بفداحة وعظم ما جنته نفسه، إذ أن الشيطان الرجيم لا يدع هذا العاصي على هذه المرحلة من سوء الحال، بل يتسافل به نحو مرحلة أخطر ألا وهي تبرير تلك الخطيئة وتهوين فعلها وتصويرها بالضآلة المتناهية الصغر ولا تستحق ذلك الاهتمام والتحسر، وينفخ فيه روح الإعجاب ويقدمه أمام مرآة نفسه وكأنه ذاك المقرب من الله تعالى لكثرة أعماله الصالحة وإتيانه لأفعال الخير، ومثل هذا الذنب وغيره لا يؤثر مطلقا في الصورة العامة لصلاحه وطاعته لربه، فما يزال به حتى يحرفه عن الرجوع إلى الله تعالى وعقد العزم على الترك.

وليس هناك من قناة مؤثرة في صلاح النفس كالحديث معها، فيخاطب نفسه متصورا كيف يقدم على ربه بين يدي الحساب وقد نشرت الصحائف وأحضر الشهود ونطقت جوارحه بما ارتكب من جناية.

والأمر الآخر هو حقيقة التوبة وصدورها من إنسان مقر بجنايته ومستشعر لما أقدم عليه من خطيئة لا يفر من تبعاتها إن بقي على سوء حاله، وأما لحظة التأثر الآنية واستيحاش النفس من قبح الأفعال فليست بمجدية، فهي ليست بأكثر من ردة فعل هامشية لا تقدم ولا تؤخر، فسرعان ما تتحفز نفسه نحو امتطاء طريق النزوات لضعف الحصانة الرادعة، فالتوبة النصوح هي المعالجة الإصلاحية لارتكاب الذنوب، فيستتبع الندم ولوم النفس مرحلة العزم على اقتلاع جذور المعصية بتجنب مسبباتها.

وذلك الانكدار والاتساخ بلوثة الذنب لا يمسحه إلا التوبة الخالصة، والتي تعيد للنفس صفاءها وتفاعلها مع المعاني والطهارة ين العالية للعبادات، فملكة التقوى والخشية من الله تعالى قد مزق أستارها بارتكابه الذنب، والتوبة تعيد له صبغة الطهارة.

والتوبة النصوح رجوع لحالة التواضع والتذلل بين يدي الرب الجليل، فيقر أنه بمعصيته قد وضع رقبته تحت مقصلة العقاب والمجازاة، فأنى له أن يفلت من عقاب أليم أعده الجبار لمن عصاه، فبضعف بدنه ونفسه قد تعرض لسخط شديد لا يتحمل عذاب لحظة منه، فيستشعر من نفسه طلب العفو والصفح عما بدر منه من رب كريم لا يخيب سائله وغني عن عذاب عباده، فيبكي على نفسه وتسيل دموع الندم بحرقة.