آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الضغوط.. الاختيار

محمد أحمد التاروتي *

الاصطفاف لجانب الحق، ورفض جميع الإغراءات، والاستسلام لصوت العقل والضمير، عملية صعبة وبحاجة الكثير من الشجاعة، وقدرة كبرى على مقاومة التهديدات، الامر الذي يفسر قلة السالكين في طريق الصواب، مقابل كثرة مختاري الطريق الاخر، ”أكثرهم للحق كارهون“، ”ما ترك لي الحق من صاحب“، ”لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه“.

تغليب المصلحة على تحمل تبعات مناصرة الحق، مرتبطة بالضغوط الممارسة، والإغراءات المقرونة باختيار الطريق الاخر، خصوصا وان طريق الحق مملوء بالأشواك، والكثير من الصعاب، التي تجعل السير فيه عملية محفوفة بالمخاطر، بخلاف الطريق المناقض الذي يفرش بالورود، والعديد من المحطات المغرية، الامر الذي يحفز على تفضيل الطريق الاخير، على خشونة ووعرة الطريق الاول، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه طريق محدد، بحاجة الى التزود بالأسلحة القادرة، على تذليل الصعاب، وتفادي السقوط في منتصفه، واحيانا في البداية، وبالتالي فان العملية بحاجة الى ترويض الذات، باتجاه صعوبة العيش، لاجتياز الامتحان الصعب، ”الشجرة البرية اصلب عودا“.

ترجيح كفة الامتيازات تحدد طريقة الاختيار، فالبعض يتحرك باتجاه التمسك بخياره وفقا للمصلحة، انطلاقا من حجم الفوائد المترتبة على رفض الطريق الاخر، لاسيما وان الضريبة المترتبة على الاختيار، تختلف باختلاف نوعية القرار المتخذ، بيد ان الخسائر والأرباح متفاوتة في الغالب، مما يستدعي استخدام ”الحاسبة“، للوقوف على حجم الامتيازات، ومجموعة الخسائر، الامر الذي يدفع في النهاية لاتخاذ القرار النهائي.

الضغوط الاجتماعية تشكل عاملا اساسيا في الاختيار، فهناك شرائح اجتماعية تتحاشى التصادم مع المجتمع، مما يجعلها تمارس ادوارا مناقضة للقناعات الذاتية، الامر الذي يدفعها لانتهاج سياسة ”المسايرة“، لامتصاص الغضب الاجتماعي، لاسيما وان الخروج عن الجماعة يعرض للكثير من الخسائر، ويهدد المصالح الذاتية للخطر، بمعنى اخر، فان محاولة مسايرة التيار الاجتماعي، أجدى من المواجهة المباشرة، والتحرك بعكس التيار الجارف، ”إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى? أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى? آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ“.

الرغبة في المواجهة المباشرة، وكسر القواعد الاجتماعية السائدة، تمثل احد الاسباب وراء الاصطفاف، خلف احد الخيارات المتاحة، فهناك اشخاص يفضلون السير وراء القناعات الذاتية، دون النظر للعواقب المترتبة على الاختيار، فهذه النوعية من السلوكيات مرتبطة بجنون العظمة، الامر الذي يدفع الى إهلاك الحرث والنسل، بمعنى اخر، فان المواجهة المباشرة مع الحقائق الدامغة، ليس مرتبطا بعدم الاقناع بتلك المعلومات الصحيحة، بقدر ما تمثل حالة ارتباك داخلي، تكون احيانا مرتبطة بمحاولة الظهور بشكل مختلف تماما، مما يقود لنوع من الانقسام الاجتماعي، جراء وضع الجميع، في حالة من الذهول الحيرة، نتيجة حرف الحقائق، لتحقيق المصالح الذاتية بالدرجة الاولى.

الحق لا يمكن تغطيته بغربال، خصوصا وان العقل قادر على تمييز الامور، مما يجعل المبررات بصعوبة استكشاف الحقائق، غير مقنعة على الاطلاق، فالمرء الباحث عن الحقيقة قادر على التوصل اليها، نظرا لوجود الكثير من الأدوات لمعرفة طريق الصواب، بيد ان المشكلة تكمن في الصعوبات، التي تتطلبها عملية الوصول الى الحق، مما يدفع البعض للاستسلام، وتغليب المصلحة على التمسك بطريق الحق، وبالتالي محاولة خداع الذات والاخرين، بمجموعة مبررات واهية، غير قادرة على الصمود مطلقا.

كاتب صحفي