آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

المواقف.. السياسة

محمد أحمد التاروتي *

التحولات الدراماتيكية في القضايا الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، مرتبطة بمجموعة المواقف، فحالة التحالف والوئام السائدة توجد حالة من الانسجام والمناصرة، بحيث تظهر على شكل حملات إعلامية صاخبة، بغرض توجيه الرأي العام، لقطع الطريق امام حالات المعارضة، او التشكيك في صدقية المواقف، مما يقود الى شن حملات مضادة تجاه الأصوات الشاذة، سواء اصوات المعارضة للتحالف القائم، او الداعية للحذر من الانسياق غير المنضبط، عبر التحالف غير الواضح او غير المتوازن، نظرا للتداعيات المترتبة على هكذا تحالفات، على المدى القصير او المتوسط او البعيد.

عملية تقلب المواقف ليست جديدة على الاطلاق، لاسيما وان اختلاف المصالح، وظهور تحالفات جديدة، تشكل عوامل اساسية في إطلاق المواقف الجديدة، بمعنى اخر، فان التحالفات القائمة على الثوابت، تكاد تكون معدومة، في عالم تقديم المصالح على القيم الاخلاقية، مما يؤسس لأشكال مختلفة ومتعددة في التحالفات، الامر الذي يفسر الانتقال من حالة العداء الى الصداقة بشكل مفاجئ، والتحول من التحالف الى الخصومة بصورة سريعة.

التريث في اتخاذ المواقف، سواء كانت سلبية او إيجابية، عملية ضرورية تفاديا لاتخاذ قرارات مستعجلة، وغير حكيمة احيانا، لاسيما وان الحملات الاعلامية تدفع باتجاه مواقف محددة، الامر الذي يستدعي التحرك بشكل منفصل عن التفكير الجمعي، خصوصا وان الرأي الجمعي لا يكون صائبا، بقدر ما يكون متأثرا بالهالة الاعلامية، او الضغوط الاجتماعية، وبالتالي فان الخروج عن الصندوق يسمح برؤية الامور بشكل مختلف تماما، بحيث يؤدي الى الاختيار الصائب بعيدا عن التأثيرات الخارجية.

الانقلاب الكبير في الموقف، والتحول من الشمال الى اليمين، بين لحظة وضحاها، ناجمة عن الاختلاف في الصف الواحد، فالتحول من حالة التحالف الى الخصام، يسهم في فتح الملفات المسكوت عنها ابان التحالف، مما يدفع كل طرف لتحميل الطرف المقابل مسؤولية التهور الحاصل، وبالتالي محاولة تقليب الصفحات والبحث في التاريخ، لتسجيل النقاط على الخصم الجديد، بمعنى اخر، فان السياسة المتدرجة في الخصومة ليست واردة في بعض الخلافات، الامر الذي يفسر الحروب الاعلامية غير المسبوقة، من خلال إعطاء الضوء الأخضر للماكنة الاعلامية، لرسم صورة شيطانية لحليف الامس، مقابل الصورة الملائكية السائدة سابقا.

تلعب الماكنة الاعلامية دورا محوريا، في خلق الظروف الملائمة لاحداث الانقلاب الكبير، خصوصا وان غياب الخطط المدروسة لا يخدم التحرك باتجاه الضفة المقابلة، مما يستدعي ايجاد المناخ الملائم، لإطلاق الحركة المضادة في المواقف الجديدة، لاسيما وان الفشل في كسب الرأي العام الداخلي، يهدد الخطط المرسومة سلفا، الامر الذي يتطلب الحرص على قراءة اتجاهات القاعدة الشعبية، من اجل الحصول على دعمها في المواقف الجديدة، نظرا لخطورة اختراقها من قبل الخصم، مما يفسر الحرص على تكثيف الاعلام الداخلي على صوابية المواقف الجديدة، عبر العديد من المبررات والاسباب الكامنة وراء التحول الكبير.

تبقى المواقف مرهونة بحالة الانسجام والتحالف، فاذا واجهت تحولات جوهرية، سواء كانت عبر اختلاف المصالح، او تبدل القناعات، فان الصداقة تتحول الى عداء وخصام، يصعب التكهن بتداعياته المستقبلية.

كاتب صحفي