آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الأمان الأنثوي!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

جرب أن تتأمل الناس وهم ذاهبون إلى عملهم في الصباح، راقب الشارع، السيارات، والأفواه ولكن دون صوت، سيبدو لك الأمر غريباً جداً، جرب أن تتوقع ما هي مشاعرهم؟ هل ستنجح يا ترى؟ قد تكون مشاعر سعيدة، وقد تكون حزينة، أو عادية، احتمالات كثيرة، ولكن الواقع يقول إن المشاعر القائمة على الاحتمالات تفشل، ربما لذة عدم اليقين قد تجربها في هذه الحالة، وانعدام اليقين معناه ضياع وضبابية! ولكن ألا تدعونا فكرة الاحتمالات وعدم التأكد إلى ضرورة مراجعة التاريخ المرضي لعلاقاتنا الإنسانية ومشاعرنا الكريمة تجاه الجميع؟ هل جربت أن تقف هناك في تلك المساحة البيضاء بينك وبين مشاعرك تراقبها دون محاسبة محاولاً تفهم دوافعها؟

بالنسبة لي الأمان الانثوي الذي أتمتع به يجعلني أخاف أحياناً من المغامرة بمشاعري، فمدى تأثرنا كبشر بما يحيط بنا منبعه العقل اللاواعي الذي تراكمت فيه التجارب والخبرات المختلطة على حد سواء، ورسائلنا الداخلية تظهر كمحفز لتعكس ما نحن عليه، وعندما نحاول دمج أنفسنا مع المحيط بنا نفشل في الوصول لنقطة الالتقاء مع واقعنا فقد تعودنا أن لا نعترف بما ينقصنا لأننا نتجاهل ذاتنا فنجهلها، فالتعرف على الذات هو المستوى البدائي من المعرفة الإنسانية، فلا يوجد شيء سوانا يجعلنا ضعفاء أو أقوياء، لا يوجد شيء لا يستأذننا. أن نعترف بمشاعرنا معناها أننا نفهم أنفسنا، ونبتعد عما يؤذيها، ونستبدل المشاعر البدائية بما هو أذكى، والإنسان مجبول على تقدير الذات ومحاولة كسب تقدير الآخر، فما بالك بتقدير ذاته، فلا ينبغي أن نفشل ونخسر حتى ندرك أهمية ما لدينا، فكل شيء في هذه الحياة تزداد شدته بمقدار تحملنا له، وبعض المشاعر - كالفقد مثلاً - غالباً ما تمهد غيابها الطويل، فنتحسس ذاتنا المسروقة ونبحث عنها بين طيات الوعي والحقيقة والألم.

لذلك يجب أن يتعامل كل منا مع ذاته ومشاعره أياً كانت بكل صدق وبكل شفافية واحترام، فتقييمك لذاتك سينعكس على كل شيء حولك، ويجب ألا ننسى أننا جميعا في سفينة واحدة وأي خلل في أي جزء منها سوف يؤدي إلى إغراقنا جميعاً، لذلك نحن نحتاج لصوت الصدق الداخلي، ونحتاج أن نتفقد ضميرنا وضمير الواقع ومحاولة تقبل أنفسنا والتفاهم مع الآخر، وأن نكون متوازنين في الطرح والحوار واستثمار كل ما يمر بنا والاستفادة من كل شيء حولنا ليثرينا ويصحح نظرتنا تجاه الحياة.