آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

اجعل من يراك يدعو لمن رباك

المهندس أمير الصالح *

مصطلح المجتمع الدولي يزداد سماعة في وكالات الانباء العالمية حالما تطفو على السطح معظلة اخلاقية عالمية او صراع دولي او اضطهاد عرقي ذو عدد ضحايا مرتفع ولا يعلم الكثير من الناس عن كيف تشكل وكيف تتم العضوية فيه.... هي اسئلة يطرحها المتابع لنشرات الاخبار العالمية في محاولة منه ليضع إصبعه على المفهوم الدقيق ويستنطق التصور الواضح لذاك المفهوم وما يترتب عليه من حراك وانشطة ومسؤولية.

ازعم شخصيا بان الغالبية العظمى من البشر تبلور لديها ان مصطلح المجتمع الدولي هو مصطلح هلامي ولكن الأوضح ان المفهوم موجه لـ الايعاز بان اهل القوة والسيطرة العالمية ماليا وعسكريا، هم انفسهم اصحاب نادي المجتمع الدولي حصرا، واما غيرهم فيمكن تصنيفه ب مجتمع محلي ذو فعالية محدودة جدا او مهمش او مجرد متفرج او يقوم بدور كومبارس او في محاولة لان يكون صديق حميم لاحد اعضاء نادي المجتمع الدولي المسيطر!.

على امتداد السبعين عاما ونيف الماضية، حدثت عدة قضايا على الساحة الدولية والاقليمية ولاحظ البعض عدم وجود اي تاثير ملموس من المجتمعات المحلية وانما يُفرض ويتم تمرير إملاءات اعضاء ورغبات المجتمع الدولي او هكذا يعلق البعض.

والواقع ان تساؤلات كثيرة تفتح موضوع يتعلق بما يسمى بصناعة اخلاقيات المجتمع الدولي في الحرب والسلم وانعكاس ذاك اقليميا واجتماعيا.... ولكون البحث بهذا الموضوع يحتاج الى الكثير من الجهود والطاقات والدراسات في علم الاخلاق فاني سأذكر نقاط معينة اثارت انتباهي حديثا ووددت المشاطرة مع القراء ومنها:

1 - اسقاط مرض الشذوذ الجسدي من تعريفات الاضطراب السلوكي النفسي من قائمة الامراض النفسية لدى بعض الدول ذات الريادة في صناعة الاعلام العالمي والرأي العالمي ولهذا الفعل تنتج اسئلة عن الهدف المتوخى لذلك الحذف المتعمد لتصنيف مرض الشذوذ.

استشهادا نرفق مقطع من Wikipedia، النص،“ في عام 1973 ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي. وتبعهم في ذلك مجلس ممثلي جمعية علم النفس الأمريكية عام 1975. وبعد ذلك أزالت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسي بمن فيهم منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1990”. انتهى النقل

2 - تسليط الاضواء الاعلامية بشكل كبير على اخبار الفضائح الجسدية لبعض الفنانات وتماطر اخبار العلاقات البينية لـ الفاشلين من الغير الأسوياء عقليا وتصدر مساحات كبيرة من النشرات لتغطية اخبار عالم الاسفاف والبلهاء والجرائم بكل انواعها والتغريدات المواكبة لـ هياط المهايطين.

3 - تزايد اخبار الفساد المالي والاداري في صفوف الشركات العالمية وزيادة نسبة التلاعب بالتقارير المالية في قطاعات صناعية وزراعية وغذائية وعقارية وبنوك عالمية، يجعل موضوع اعطاء الثقة لما يُنشر من قوائم مالية او تصريحات اقتصادية اخبارية في مجال العوائد الاستثمارية ROI هي محل تساؤولات ووقفة تمحيص مطولة.

طبعا أتحفظ واكتفي بهذا القدر واعرض عن الإسهاب في الكلام بهذا الشأن نظرا لتشعبه وملامسته لمصطلحات شديدة الاحراج والعمق، الا ان هناك عدد من الناس يشعر بحجم القلق الذي ينتاب الكثير نظرا لتدني منسوب اخلاقيات العمل الصادق وتساقط شرف المهن وتصاعد احتراف السرقة والتحايل وتصدر المشهد الاداري في شركات كثيرة ممن هم ليسوا اهلا لشغل المناصب القيادية. تماطر هكذا انباء في عالم الاعلام، قد يكشف شي او اشياء وفي ذات الوقت قد يدفع بالامور الى القبول بالواقع رويدا رويدا والتسويق ضمنا الى القبول بكل هكذا اخلاقيات ميكافيلية على ان ذلك قضاء مبرم وقدر محتوم.

يُقال بان من اساسيات علوم المحاسبة accounting، الدقة accurate والاخلاقيات «الامانة» ethical والثقة credible وهن محاور اساسية في بناء كشوف الحسابات لـ الشركات financial statement. والقوائم المالية المعلنة هي المصدر الرئيس للمستثمر لصنع قرار الشراء في هذه او تلك الشركات او الذهاب للاستثمار في تلك الدولة او غيرها.

وعندما يتسرب لمسامع المستثمرين او حاملي الاسهم اخبار مفادها بان القوائم المالية للشركة الفلانية غير جديرة بالثقة لوجود تلاعب وفساد، فان المستثمرين الصادقين يعرضون عن تلكم الشركة وحملة اسهمها الحذرين يتخلصون من اسهم تلكم الشركة. ولذا نلاحظ بان هناك شركات وامم استصدرت لوائح وشرعت قوانين تطبق الاخلاقيات والشفافية والحقوق بصرامة مذهلة في حق الجميع دونما اي استثناء لضمان استمرار الاستقرار والنمو والازدهار والنجاح وحفظ الحقوق والاموال والمدخرات. واتذكر ان قرأت يوما ما في احد الدول قائمة تدعى Ethical Standard وهي قائمة تتضمن جملة من الاعمال المقبولة والاعمال المرفوضة والسلوكيات المحمودة والسلوكيات المذمومة وتصنيفات العمل الامين والفعل المشين او نمط سلوك العدل وتلون الظلم. ولكون الاعلام بجميع الوانه هو اللاعب الاكبر في صياغة افكار ونمط سلوك وآراء ومواقف البعض فاني اطرح مقاربة التحفظ conservatism على ما يروج له الاعلام العالمي او وسائط التواصل الاجتماعي في ترويج لبعض السلوكيات او القناعات ولو من باب ترك مسافة كافية احترازا من بعض مايسمى ب اخلاقيات المجتمع المصلحجي حتى لا ننصدم يوما ما ببعض الازدواجية. ويقع البعض موقع الدفاع عن سلوكيات من تبنى بعض افكارهم الا انه استعدى ابناء مجتمعه ومنظومة المجتمع الاخلاقية بالمطلق. ولنكن وانا اولكم مدعو بان نكون مصداق لـ شعار ”اجعل من يراك يدعو لمن رباك“ وهذا بحد الوجوه يحمل مضمون من مضامين قول العزيز الحكيم ﴿قد افلح من تزكى.