آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 9:58 ص

السترات الصفراء.. مسيرات العودة

محمد أحمد التاروتي *

مسيرات وحدتها المطالب، وفرقتها الجغرافيا.. ففي الوقت الذي يظهر شاسع بين تلك المسيرات، يظهر كذلك الانسجام كبير بينها.. حيث رفع التعامل الاعلامي مع الحدث احداها، الى عنان السماء، وفيما خسف الاعلام ذاته بالثانية الارض، اذ لا يكاد الاعلام يتناولها الا كخبر عابر.. انها سياسة الاعلام الموجه في مختلف الاوقات، على مر العصور.

الضجة التي احدثتها مسيرات السترات الصفراء في فرنسا، وكذلك في بلجيكا، صدعت الرؤوس على مدى الايام الماضية، حيث خصصت جميع القنوات الفضائية، ووسائل الاعلام المسموعة، والمقروءة ساعات طويلة، من البث المباشرة، لنقل الاحداث بدقة متناهية، بحيث فرضت احتجاجات السترات الصفراء نفسها، كحدث وحيد طيلة ساعات السبت الماضي، مما جعل تلك الاحتجاجات حديث الساعة، اذ لم تكتف وسائل الاعلام بنقل الصوت والصورة، وانما جندت جميع الامكانيات لقراءة الحدث من مختلف الجوانب، مما اخرج تلك المسيرات من مسارها الطبيعي، ”الاوضاع الاقتصادية“، لتدخل في الجانب السياسي.

بينما ما تزال وسائل الاعلام الاجنبية، واحيانا العربية، تتجاهل مسيرات العودة المستمرة منذ فترة طويلة، فالشعب الفلسطيني الذي خرج للمطالبة برفع الحصار المفروض عليه من سنوات، لم يجد المناصرة الاعلامية المطلوبة لايصال صوته الى العالم باسره، مما ساهم في حصر الحدث ضمن مساحة جغرافية ضيقة، لا تتجاوز قطاع غزة، فالتعامل الوحشي من قبل الاحتلال الاسرائيلي، لم يحرك ساكنا لدى وسائل الاعلام العالمية، مما يعطي دلالة على النفاق الاعلامي الواضح، في التعاطي مع الاحداث العالمية، وبالتالي فان التعويل على الاعلام العالمي، يبقى رهانا خاسرا على الدوام.

وسائل الاعلام العالمية، تتناقل بصورة دقيقة جميع الاخبار المصاحبة، لاحتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، سواء من خلال الاشتباك مع الاجهزة الامنية، او عدد المعتقلين، او المصابين، بالرغم من محدودية الاشتباكات، نظرا لوجود قانون يسمح بالتظاهرات، ولكنه يجرم الاعتداء على الاملاك العام، وتخريب الممتلكات الخاصة، بحيث اصبحت جميع المعلومات المتعلقة، باحتجاجات السترات الصفراء متاحة ومعروفة، لدى الجميع في مختلف اصقاع العالم.

على النقيض يمارس الاحتلال الاسرائيلي القتل العمد، بحق الشعب الفلسطيني المطالب بحقوقه، ولفت الأنظار لرفع الحصار الاقتصادي الظالم، فالمسيرات على مدى الاشهر الماضية تواجه بالرصاص الحي، وكذلك بوابل من القنابل المسيلة للدموع، الامر الذي ساهم في سقوط العديد من الشهداء، فضلا عن الاف الجرحى، بيد ان تلك الممارسات القمعية والوحشية، لم تحظ بمتابعة دقيقة خلال الفترة الماضية، الامر الذي يفضح ادعاءات وسائل الاعلام، التي تمارس الانتقائية في عملية نقل الاحداث العالمية.

وسائل الاعلام مطالبة بممارسة دورها في نقل الحقائق، ومتابعتها في مختلف ارجاء العالم، بغض النظر عن هوية تلك الاحداث، خصوصا وا ن رسالة الاعلام تتمحور في النقل بحيادية تامة، من اجل ايصال الرسالة للعالم، بيد ان التجربة كشفت ان الاعلام بعيد كليا عن المبادئ الاخلاقية، اذ يعمد لممارسة التوجيه غير المتوازن في التعاطي مع الاحداث، مما يسهم في تغييب الحقائق عن المتلقى عن سابق اصرار.

مسيرات السترات الصفراء، كشفت للمراقب الادعاءات الزائفة، التي تتغنى بها وسائل الاعلام، في البحث عن الحدث ومحاولة نقله، فالاستعدادات التي سبقت بدء مسيرات السترات الصفراء، جاءت خلافا للكثير من التوقعات، بينما لا تجد مسيرات العودة اهتماما يذكر في وسائل الاعلام، فهذه الاخبار لا تحتاج للمتابعة على الاطلاق، فضلا عن تخصيص مساحة زمنية لها في البرامج اليومية.

كاتب صحفي