آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

بضاعة كاسدة

محمد أحمد التاروتي *

البضاعة التي سوقتها الدول الغربية في عام 2011، لنشر الفوضى في العالم العربي بشعارات ”الديمقراطية“ و”الحرية“، بدأت الدول الغربية تكتوي بنيرانها، فالمظاهرات التي خرجت للمطالبة بتصحيح الأوضاع الاقتصادية، وتقليص الفجوة بين طبقة الأغنياء وشريحة الدخل المحدود، آخذة في التوسع والانتشار بشكل عمودي وأفقي.. اذ لم تعد تلك المظاهرات محصورة في زاوية جغرافية ضيقة، بل بدأت في التوسع للانتقال الى بعض الدول الاوروبية، مما يوحي بوجود حالة من الاحتقان لدى الشعوب الاوروبية، من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، الامر الذي يؤسس لمرحلة جديدة شعارها تحسين الوضع المعيشي، ورفع مستوى الدخل، للحيلولة دون تآكل الطبقة الوسطى في المجتمعات الاوروبية.

خروج المظاهرات في باريس عن سياقها، وجنوحها باتجاه الفوضى والتخريب، سواء بالنسبة للممتلكات العامة او الخاصة، قد يؤشر على وجود اطراف خفية تحاول استغلال الموقف المطلبي، عبر احداث حالة من الفوضى، وتكريس واقع بائس في المجتمع، الذي لا تنقصه حرية الرأي، والانتخابات البرلمانية، والرئاسية، وبالتالي فان محاولة الاستفادة من المناخ العام السائد في الاراضي الفرنسية، عملية خاضعة للتوجهات السياسية للأطراف المتشابكة، على الساحة الفرنسية والاوروبية والعالمية، بمعنى اخر، فان المظاهرات المنطلقة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، جاءت لتؤشر حالة من الاحتقان الاجتماعي، بعيدا عن الدعوات التي كان تنادي بها الحكومات الغربية في عام 2011، حينما احتاجت الاحتجاجات بعض الدول العربية، بحيث خرجت الاصوات من تلك الدول للتدخل المباشر، ومحاولة ركوب الموجة لاسقاط الحكومات، وغيرها من الضغوط السياسية والاقتصادية المتعددة.

الدعوات الكثيرة الساعية للتهدئة، والجنوح للتفاوض، عوضا من التحرك في الشارع بشكل متواصل،.. تنطلق من المخاوف الحقيقية المترتبة، على خروج الأوضاع عن السيطرة، والدخول في نقطة اللاعودة، فالجميع يدرك ان غرق المركب يمثل كارثة على المكاسب التي تحققت خلال العقود الماضية، مما يستدعي التحرك الجاد لاحتواء الموقف، وعدم اتخاذ موقف المتفرج، الامر الذي يفسر اجماع وسائل الاعلام في الدول الغربية، على رفع الوعي الاجتماعي، وعدم الانزلاق باتجاه الفوضى، ونشر الذعر في المجتمع، نظرا للتداعيات الكبيرة الناجمة عن انفلات الامور، والدخول في الهاوية، لاسيما وان انفراط عقد المؤسسات الرسمية يحدث فراغا كبيرا، بحيث يفتح الابواب للأطراف الخارجية، لمحاولة استغلال الموقف، لتنفيذ اجندات غير خافية.

الفوضى التي عاشتها بعض الدول العربية منذ 2011، جاءت نتيجة البضاعة الكاسدة، التي روجتها بعض الحكومات الغربية آنذاك، فهذه الدول حاولت خلق واقعا مريرا، للشعوب العربية عبر شعارات براقة، حيث استغلت بعض الأوضاع الاقتصادية والظروف السياسية، في نشر الاضطرابات، وتخريب الاستقرار الامني، الامر الذي انعكس سلبيا على حالة التنمية في تلك الدول، بمعنى اخر، فان الحكومات الاوروبية حاليا تتحرك لتطويق الأوضاع، للحيلولة دون خروجها عن السياق المطلبي، ومنع دخولها في نفق التخريب والفوضى، خصوصا وان الفوضى تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، على الصعيد السياسي والاقتصادي والامني، نظرا للتهديدات العديدة من لدن الجماعات المتطرفة، الساعية لضرب الاستقرار السياسي عبر التفجيرات، ومحاولة استغلال الأوضاع الحالية في تنشيط الخلايا النائمة.

الاتهامات الموجهة لجماعة السترات الصفراء، بمحاولة استغلال الأوضاع الاقتصادية، في نشر الفوضى، واستخدام العنف في مواجهة الاجهزة الامنية.. تلك الاتهامات تنطلق من قناعات راسخة، بضرورة التصدي لمحاولات تكريس العنف، والفوضى في الاحتجاجات، بمعنى اخر، فان الفوضى بما تحمله من تحديات كثيرة تتطلب استخدام المنابر الاعلامية، والخطاب العقلاني، لتجنيب المجتمع من ويلات الانسلاخ عن القيم الاخلاقية،، والتمسك بالمطالب السلمية ورفض جميع انواع العنف والتخريب، نظرا للآثار السلبية المترتبة، على نشر هذه الثقافة في السلوك الاجتماعي..

كاتب صحفي