آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

القناعة.. التكتيك

محمد أحمد التاروتي *

ترجمة القناعات تختلف باختلاف الادوات المستخدمة، فهناك فئات تقاتل في سبيل تكريس القناعات، ورفض جميع المحاولات الهادفة، لاقصائها من المشهد الثقافي او الاجتماعي، مما يدفعها للتحرك في جميع الاتجاهات، واستخدام الوسائل المتاحة، واحيانا غير المتاحة، في سبيل الانتصار للقناعات، وبالتالي فانها لا تترك وسيلة دون التبشير لتلك القناعات، والعمل الجاد لاستقطاب المزيد من العناصر، الامر الذي يدفعها لتقديم الكثير من التضحيات، واحيانا المزيد من التنازلات، من اجل وضع القناعات في صلب الاهتمام الاجتماعي، خصوصا وان ترسيخ القناعات يولد حالة من الرضا لدى اصحابها، نظرا للتداعيات المترتبة على اتساع دائرة تلك القناعات، على المدى القصير والمتوسطة والبعيد.

بينما لا تجد بعض القناعات الحماسة الزائدة، لدى معتنقيها على الاطلاق، حيث تتهاوى بشكل مدوي مع الامتحانات الاولية، نظرا لعدم وجود الايمان الكامل بتلك القناعات، فالبعض يحاول تبني القناعات وفقا للمكاسب السياسية، او الحصول على الامتيازات الشخصية، مما ينعكس بصورة واضحة على انفراط عقد، تلك القناعات بصورة غير مسبوقة، بمعنى اخر، فان اعتماد مبدأ الاخذ وعدم الاستعداد للعطاء، يشكل احد المخاطر الاساسية لاندثار الكثير من القناعات، وعدم قدرتها على الصمود في وجه التيارات المعارضة، مما يستدعي ايجاد الارضية المناسبة لتجذير تلك القناعات، لدى مناصريها عوضا من محاولة تقديم المزيد من الاغراءات، في سبيل تعظيم الانصار في الشارع الاجتماعي.

التكيتك المستخدم في نشر القناعات عملية ضرورية، كونها تنم عن وعي كامل للتفاعلات الاجتماعية، والمخاطر الناجمة عن الاصطدام المباشر، فهناك الكثير من الاساليب المستخدمة من اجل تفادي المواجهة المباشرة، لاسيما وان القناعات تكون في حالة ضعف وهوان في البدايات، الامر الذي يستدعي حمايتها بشتى الطرق، وعدم تعريضها للخطر قبل اشتداد عودها، بمعنى اخر، فان التكتيك لا يمثل نوعا من الانتهازية في بعض الاحيان، او دليلا على الخوف، او عدم وجود الايمان الكامل بالقناعات، بقدر ما يكشف الوعي باهمية القراءة الدقيقة للواقع الاجتماعي، فالدخول في المواجهة المباشرة يترك اثارا سلبية على مستقبل القناعات، سواء نتيجة انعدام القوة اللازمة للدفاع، او بسبب الجهل بماهية تلك القناعات، في البيئة الاجتماعية.

عملية استقطاب العناصر المؤدية للقناعات، مرتبطة بنوع البرامج المقدمة، وكذلك بنوعية الخطاب الموجه للشرائح الاجتماعية، خصوصا وان التفاوت الثقافي، واختلاف مستوى الوعي، يفرض اختيار الطرق المناسبة، لترويج القناعات على اختلافها، بمعنى اخر، فان فقدان القدرة على الخطاب المناسب، وكذلك الافتقار للبرامج الجاذبة، نقاط ضعف تؤثر على مستقبل القناعات في المجتمع، مما يستدعي وضع النقاط على الحروف قبل الانطلاق باتجاه المجتمع، عبر ايجاد نوع من التوازن للتحرك بشكل واعي، دون الانجرار خلف الاوهام التي يعيشها بعض اصحاب القناعات، لاسيما وان التناقضات الاجتماعية تستدعي التحرك وفق الممكن، بعيدا عن التمنيات البعيدة عن الواقع المعاش.

الالتزام بالخطوات التكتيكية، بمثابة خارطة الطريق، باتجاه تكريس القناعات في الوجدان الاجتماعي، فالاستقطاب لا يتم بالاكراه، او الجبر بقدر ما ينطلق من الايمان، مما يستدعي انتهاج سياسة الخطوات المتلاحقة، في طرح القناعات بطريقة سهلة ومحببة، بعيدا عن التعقيدات التي يمارسها البعض، في عملية الترويج للقناعات الشخصية، بمعنى اخر، فان نشر القناعات مرتبطة في احيان كثيرة بنوعية التكتيك المستخدم، فهناك وسائل طاردة واخرى جاذبة، وبالتالي فان امتلاك القدرة على تشخيص الطرق الجاذبة، كفيل باتساع دائرة القناعات في البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي