آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

ترامب.. صدمة الانسحاب

محمد أحمد التاروتي *

احدث قرار الرئيس الامريكي صدمة غير عادية، بقرار القوات الامريكية من سوريا، بحيث لم تقتصر اثاره على العالم الخارجي، وإنما شملت تداعياته المكانة الوزارية، اذ برزت على شكل استقالة وزير الدفاع ماتيس، الامر الذي يؤشر على اتساع شقة الخلاف، بخصوص قرار الانسحاب المفاجئ، وبالتالي فان ارهاصات القرار الامريكي ستبقى تتردد على المستوى العالمي، نظرا للاثار المترتبة على القرار غير المتوقع، بمعنى اخر، فان قرار الانسحاب لا يتعلق بعودة نحو 2000 جندي، يتواجدون في سوريا، بقدر ما يتعلق بالتداعيات السياسية الناجمة عن قرار الانسحاب.

دفاع الرئيس الامريكي ترامب، عن قرار انسحاب القوات الامريكية من سوريا، لا يقلل من المخاوف الناجمة عن خطوة البيت الابيض، فالسبب الذي ساقه ترامب لتسريع سحب قواته من سوريا، وهو القضاء على داعش، ليس مقنعا للكثير من الدول، لاسيما وان تنظيم داعش توارى عن الأنظار منذ انحسار مناطق سيطرته، وهزيمته في العراق وسوريا، وبالتالي فان قرار ترامب ليس مرتبطا بهزيمة داعش العسكرية، بقدر ما يوحي بوجود طبخة سياسية، ستظهر ملامحه خلال الفترة القادمة، اذ أخذت مؤشراتها في التبلور عبر تصريح تركيا، بامكانية التعامل مع الأسد، في حال فوزه في انتخابات نزيهة.

يصعب التكهن بالأهداف الحقيقية، وراء خطوة البيت الابيض، بسحب قواته من سوريا، بيد ان الخاسر الاكبر من وراء القرار الامريكي، هي قوات سوريا الديمقراطية، التي حظيت بمساندة ودعم واشنطن خلال السنوات الماضية، مما مكنها من الصمود في وجه داعش، وتوسيع مناطق نفوذها، وبالتالي فان الانسحاب الامريكي سيترك ظهر قوات سوريا الديمقراطية مكشوفا امام تركيا، التي تسعى للقضاء على الوجود الكردي العسكري القريب من حدودها، بمعنى اخر، فان القرار الامريكي سيترك تداعيات خطيرة، على مستقبل الأكراد في المرحلة القادمة، مما يقضي نهائيا على حلم الفيدرالية الذي تحاول فرضه كأمر واقع، عبر تكريس تواجدها العسكري في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

تباين ردود الفعل تجاه قرار ترامب للانسحاب من سوريا، يؤشر لوجود مخاوف حقيقية من الخطوة الامريكية، فالمعارضة لم تقتصر على الدائرة الضيقة للرئيس الامريكي، بل شملت العديد من صناع القرار في الولايات المتحدة، سواء من اعضاء الكونغرس او غيرهم، من خلال إطلاق التصريحات المشككة في صوابية قرار الانسحاب، بالاضافة لذلك فان تموجات خطوة البيت الابيض خلقت الكثير من الارباك لدى العديد من الدول، ولعل ابرزها اسرائيل التي حاولت حث الرئيس ترامب على التريث، والتراجع عن القرار، نظرا للتداعيات المترتبة على الفراغ الحاصل بانسحاب القوات الامريكية، الامر الذي يستدعي وضع الترتيبات اللازمة قبل الأقدام على هكذا خطوة.

القرار جاء بمثابة الماء البارد على قلب موسكو، التي حاولت خلال السنوات الماضية اخراج القوات الامريكية، من اجل الاستحواذ على سوريا بدون منازع، باعتبارها منطقة نفوذها الوحيدة في الشرق الاوسط، خصوصا وان دورها المحوري ساهم في استعادة اغلب المناطق، التي خرجت عن سيطرة دمشق، وبالتالي فان الانسحاب الامريكي سيطلق يد موسكو في ادارة اللعبة السياسية بما يحقق مصالحها السياسية.

الجهات المستفيدة من قرار الانسحاب الامريكي عديدة، وكذلك الاطراف المتضررة كثيرة، بيد ان الرئيس ترامب لا يلقي بالا للاثار المترتبة على الانسحاب، بقدر اهتمامه بتحقيق مصالح الولايات المتحدة، بمعنى اخر، فان قرار الانسحاب سيرفع وتيرة التنافس للاستفادة من القرار، من خلال تقليل حجم الخسائر للدول المتضررة، وتعظيم الفائدة للعواصم المستفيدة.

كاتب صحفي