آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الاحتيال.. الذكاء

محمد أحمد التاروتي *

ممارسة النصب والاحتيال، ليست مرتبطة بنمط محددا من السلوكيات البشرية، فهناك الكثير من الاعمال الاحتيالية، التي تمارس على نطاق واسع، بهدف الاستيلاء على حقوق الاخرين بطريقة غير نظامية، حيث يبتكر المحتالون العديد من الحيل للوصول الى المآرب، من خلال اختيار الضحايا بطريقة عشوائية احيانا، ومقصودة احيانا اخرى، بمعنى فان عملية استكمال لعبة الاحتيال تتطلب تكامل جميع العناصر، فاذا فقدت احد الاضلاع فانها تفشل بشكل سريع، الامر الذي يدفع المحتال لاستخدام المهارات الشخصية للايقاع بالضحايا.

تتعدد وسائل النصب والاحتيال، وفقا للتطور البشري، وتنوع البيئة الاجتماعية، فالثقافة تلعب دورا حيويا في تحديد نوعية الاساليب الاحتيالية، بمعنى اخر، فان المجتمع البسيط لا يحتاج الى الاساليب الاحترافية للحصول على الضحايا، نظرا لسيطرة الثقة لدى غالبية المجتمع، مما يجعل الايقاع الضحايا ليس صعبا على الاطلاق، بينما المجتمعات المعاصرة والتي تمتاز بالتطور الثقافي، فانها تتطلب اساليب ابتكارية، وغير مسبوقة، خصوصا وان الاساليب التقليدية باتت مكشوفة، وغير ناجحة، مما يستدعي تسخير الامكانيات والتقنيات، في سبيل تطوير العمليات الاحتيالية، بشكل غير متوقع على الاطلاق.

بالرغم من التجارب الكثيرة في الايقاع في الضحايا، ومحاولات قطع الطريق امام العناصر الاحتيالية، للوصول الى مآربها، فان تلك المحاولات تواجه بوسائل مضادة، قادرة على اختراق الجدار الصلب المفروض، على الجماعات الاحتيالية، الامر الذي يفسر تزايد اعداد الضحايا بشكل يومي، نظرا لاستغلال العناصر المحتالة الثقرات القانونية، واحيانا دغدغة حالة الجشع لدى البشر، بالاضافة لعدم الانصات للنصائح بعدم التعامل، مع الجماعات غير الموثوقية، بمعنى اخر، فان تزايد ضحايا الاحتيال ليس مرتبطا بوجود ذكاء خارق، لدى العناصر المحتالة بقدر ما يمثل بساطة ونوعا من غباء، لدى الضحايا في الذهاب بارادته للفخ المنصوب.

النصب عملية مستمرة على الدوام، وليس قابلة للانقراض في المجتمعات البشرية، نظرا لوجود نوازع شيطانية تقود باتجاه التفكير، في سلب حقوق الاخرين بطريقة غير قانونية، وبالتالي فان التشريعات المنظمة للمعاملات البشرية، تمثل احد الاسباب للحد من تنامي ضحايا الاحتيال، بمعنى اخر، فان الانظمة والتشريعات تمثل احد افرازات الممارسات البشرية، غير النظامية في التعاطي مع الاخرين، بيد ان الثغرات القانونية تمثل احد الاسباب وراء الالتفاف عليها، مما يجعل الجهات المحتالة قادرة على الافلات من العقاب، والاستمرار في ممارسة النصب على الكثير من الضحايا.

استخدام التقنيات الحديثة، وكذلك الاستفادة من المهارات الشخصية، وتوافر البيئة المثالية، لممارسة النصب والاحتيال، تشكل عوامل مشجعة على نمو العناصر الاحتيالية، في المجتمعات البشرية، خصوصا وان الظروف الاجتماعية تلعب دورا في تحريك النوازع الشريرة لدى البعض، مما يدفعها باتجاه تحويل الذكاء نحو الاستيلاء على جهود الاخرين بطريقة غير نظامية، الامر الذي يفسر صعود البعض بشكل غير اعتيادي، وتصدر المشهد الاجتماعي، بينما استخدام الذكاء بطريقة قانونية لا يلبي الاطماع الذاتي، ويحول دون الحصول على المكاسب السريعة.

الاحيتال يشكل تهديدا كبيرا على التماسك الاجتماعي، ويكرس حالة الحقد والخلاف بشكل كبير، نظرا لوجود ضحايا يكابدون يوميا معاناة السقوط في لعبة الاحتيال، مما ينعكس على المسيرة الاجتماعية السوية، وبالتالي فان السعي لتدعيم التماسك الداخلي مرتبط، بتقليل ضحايا الاحتيال، والاتجاه نحو المسار الصحيح، عوضا من اختيار الطريق المعوج.

كاتب صحفي