آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 1:31 م

سيلفي..

محمد أحمد التاروتي *

موجة السيلفي سيطرت على التفكير الفردي، خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث اضحت ظاهرة ملموسة بشكل غير مسبوق، من خلال التنافس والتسابق في التقاط الكثير من الصور، في الاماكن العامة واحيانا الخاصة، الامر الذي انعكس على الحياة الخاصة، نظرا لاقدام البعض على نشر الصور الشخصية المتعلقة المناسبات الخاصة، وبالتالي فان ثقافة السيلفي وجدت طريقها باتجاه احداث تغييرات جوهرية، في مفهوم الخصوصية، لاسيما وان وسائل التواصل الاجتماعي، اسقطت الكثير من المفاهيم السابقة، وباتت في خبر كان.

السيلفي «التقاط الصور الشخصية» ينطلق من التعاطي مع ادوات العصر، ومحاولة الاستفادة من التقنيات بطريقة احترافية، واحيانا ”ساذجة“، فالعملية مرتبطة بطريقة التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي، والاستفادة منها بشكل ايجابي، لاسيما وان البعض يفقد القدرة على ضبط الايقاعات، مما يسهم في الخروج من السياق، والدخول في دائرة مظلمة، الامر الذي ينعكس سلبيا على صاحبه، سواء نتيجة سوء الاستخدام من المصدر او المتلقي، وبالتالي فان ”السيلفي“ يجلب المتاعب والصداع على اصحابه، مما يسهم في تدمير جسور التواصل، ويعرقل الغايات المرسومة، للاستفادة من التقنيات باسلوب ”متخلف“، بعيدا عن الصورة الحضارية.

ظاهرة السيلفي ليست مرفوضة او ممقوتة، باعتبارها من الامور الشخصية، التي ينبغي احترامها، وعدم التعرض لها، لاسيما مع الالتزام بالحدود المتعارف عليها، بالاضافة لكون نشر الصور يدخل ضمن الحراك الثقافي باشكال مختلفة، فالسيلفي ينطلق من الحرص على نشر بعض الفعاليات، حيث تكون النوايا الحسنة مما يجعلها احيانا وبالا على اصحابها، فالبعض يتحرك ضمن الطريقة العفوية، بيد ان التفسيرات تكون غير صحية، وتحمل في طياتها نوايا شريرة، الامر الذي يحدث حالة من الهدم والتدمير، وبالتالي فان البيئة الاجتماعية تمثل المقياس الاساس، وراء تقبل الحركات العفوية او رفضها، لاسيما في حال حملت بعض الانفعالات غير المصنطعة، او التي تحمل معاني مختلفة.

التقليد غير المتوازن، والجري دون وعي، يحدث اختلالات كبيرة في المسيرة الحياتية، خصوصا وان محاولة لبس ثوب طويل يسبب السقوط، وكذلك عدم القدرة على السير بشكل سليم، وبالتالي فان التقليد الاعمي لا يخلف سوى المصاعب، والعراقيل، الامر الذي ينعكس بصورة سلبية على المفهوم الاجتماعي، نظرا لتفاوت المستويات الثقافية، لدى الطبقات الاجتماعية، فهناك شرائح قادرة على استيعاب التحولات الاجتماعية، مما ينعكس على طريقة التعاطي مع ظاهرة ”السيلفي“، ومحاولة القراءة بشكل سليم، مما يدخل جميع التفاعلات الحاصلة، في اطار التعبير عن الذات بطرق مختلفة، بينما توجد شرائح ما تزال غير مستوعبة للمستجدات، وتعيش ضمن مفاهيم خاصة، مما يجعلها غير قادرة على القراءة الواعية، لانتشار ”السيلفي“ في الحياة الاجتماعية، الامر الذي يتجلى في المواقف المتشددة، او المتحفظة بشكل عام.

السيلفي ظاهرة اجتماعية، تمثل نوعا من التحولات الاجتماعية الطبيعية، في المجتمعات البشرية، فالتطور البشري يحاول الاستفادة من التقنيات، بشكل يسهم في احداث تغييرات في المفاهيم الثقافية، باعتباره جزء من التفاعلات الايجابية في مختلف المجالات، ذات الاثر الكبير على الحراك الاجتماعي، وبالتالي فان ”السيلفي“ لا يمثل خروجا عن المفاهيم الاجتماعية، بقدر ما يظهر انعكاسا لتكريس حالة جديدة، قادرة على وضع تزاوج المفاهيم القديمة مع القناعات الجديدة، بعيدا عن التصادم او التعارض الصارخ.

كاتب صحفي