آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

حكاية اليوم العالمي للغة العربية

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

منذ فجر البشرية، انطلق الإنسان يسعى في الأرض؛ ليجيب عن التساؤلات الوجودية التي تدور في خلده.. من أنا؟ ما ماهية الأرض والكون؟ لماذا أنا هنا؟ من أين أتيت؟ ما هذه الأشياء من حولي؟ وكثير من الأسئلة التي كانت تدور وتدور في عقله، ولكن لم يملك وسيلة أو طريقة للإجابة عن تساؤلاته، فالإنسان بخلاف بقية المخلوقات مخلوق لغوي، اللغة لديه تواصلية وأكثر من ذلك كما يقول تشومسكي؛ إذ يدور من خلالها التفكير، ومن هنا كان الإنسان العاقل كائنًا لغويًا، ولم تكن اللغة لديه تفاعلية فحسب كبقية المخلوقات.

في الغابة ستلاحظ قطيعًا من الظباء يعبر قرب النهر فيلحظ أحدها نمورًا تتربص بالقطيع، فيصدر صوتًا فزعًا، فتعرف بقية الظباء أن ثمة خطرًا بالقرب، فقط هكذا فهمت وتفاعلت مع الصوت من دون أي تفسيرات يقدمها أول ظبي أصدر الصوت، وهكذا تسير بقية الأمور، فثمة أصوات وتعابير تعبر عن حوادث كإشارات يفهمها الجميع من دون لغة حوارية، وهذه تقريبًا تجمع جميع المخلوقات ما عدا الإنسان.

أما بالنسبة للبشر فالأمور تسير بطريقة مختلفة، وعلى مدى الزمن كوّن الإنسان الأول لغة وكلمات «مفاهيم» توافق مع بني جنسه على معانيها ومدلولاتها حتى يتمكن من التعبير والتواصل معهم بكل سهولة، ثم ما لبثت الأجيال التالية حتى أضافت ووسعت دائرة هذه المفاهيم والمدلولات، وأضافت قائمة أوسع من الجيل الأول، وهكذا جيلًا خلف جيل حتى تشكلت لغة حوارية متكاملة، يتداولها مجموعة من الناس في مكانٍ ما وفي زمانٍ ما، وأخذت تتشكل هوية هذه المجموعة من الناس أو تلك على أساس لغتهم ومنطقتهم وعرقهم، ومع مرور الزمن وتعاقبت الأجيال وتشكلت مجتمعات منفصلة عن الأخرى، مجتمعات لها عاداتها وتقاليدها ومفاهيمها وكذلك لها لغاتها الخاصة. فكانت اللغة هي التي تشكل هوية أي مجتمع، وقد كانت مشاركتي في اليوم العالمي للغة العربية الموافق 18 ديسمبر في اليونيسكو في باريس، هي المرة الأولى التي أزور فيها باريس بمشاعر زهو وفخر، ففي كل زيارة لي لباريس كنت أزورها كسائح عادي مغرم بمعالم باريس ككل الناس في أنحاء العالم، ولكن هذه المرة كانت مشاعري مختلفة، والفضل يعود لصاحب المبادرة المحارب د. زياد الدريس المندوب السعودي الدائم لدى اليونسكو، الذي كان له الفضل في تأسيس احتفالية لليوم العالمي للغة العربية، حيث يحتفل بها كل ناطق للعربية، وقد تم إنشاء صندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم اللغة العربية، وتأسس في العام 2007م بدعم قيمته ثلاثة ملايين دولار، وهذه الجهود تضاف لجهود أخرى للدكتور زياد قام بها أثناء فترة عمله في تلك الفترة، وحيث إن اللغة العربية تمثل هويتنا وثقافتنا أصبح الاحتفال باللغة أمراً ضرورياً من أجل تعزيز هويتنا ونشر ثقافتنا، وقد تساءل د. زياد الدريس في كتابه ”حكاية اليوم العالمي للغة العربية“ الصادر في العام 2018: ”لماذا لا يشعر الإنسان العربي بالفخر في استخدام لغته العربية كما يفعل الفرنسي والإسباني والصيني مثلا؟“، أترككم مع تساؤل د. الدريس مع الكثير من الشكر له وتقدير جهوده المخلصة لمصلحة الوطن وخدمة اللغة العربية.