آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

أخلاقياتنا في وسائل التواصل الاجتماعي

عماد أحمد العالم *

كُنا نظن وقد يكون الأمر في مُجمله صحيح أن ذائقة شعوبنا تُسير لا تُخير في ظل إدارة عليا تقرر لها ما تريد، وبهذا الحقنا أخطاءً وترهات وتجاوزات غير مقبولة لهذا العذر الذي اتضح خطأه في جزئيات عديدة منه، ويقبع الخطأ في الجانب الذي أعفى الشعوب من المسؤولية عن نتاج ممارستها لفسحة من الحرية أتاحتها لها وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تكن موجودة قبل عقدين ماضيين، وبالتالي حين توفرت شكل وجودها مساحةً من الحرية لكبتٍ طال أجيال كانت تمارس حقها في التعبير فيه عبر القيل والقال وسوالف المجالس، لكن ثورة الانترنيت العظيمة غيرت الأحوال، بعد أن تسببت بعولمة فتحت الحدود الافتراضية للجميع، فأصبح الاختلاط مع مواطني دول العالم الأخرى متاحاً بعد أن كان قاصراً إما على السفر أو مع من يتواجد في موطن الآخر، ولكن هل أظهر هذا الانفتاح المُشرَّعةِ أبوابه مدى ثقافتنا ومفهومنا الخلاّق للرأي والرأي الآخر؟ الحقيقة أنه قد كشف أسوأ ما فينا، ومع بعض المبالغة البناءة في المكاشفة، يمكنني القول أنها عرت سوءاتنا التي كنا نتخفى حولها بحجج المظلومية التي حرمتنا حرية إبداء الرأي، الذي بانت نتائج الإفصاح عنه وتمثل بالجانب القاتم في الشخصية العربية التي أظهرت ما تتمتع به من إقصائية وعنصرية وطائفية وتطرف فكري وغلو عقائدي وكُره لاختلاف الآخر ولفجور في الخصومة والعداء ولأنا مجنونة يكاد اعتدادها بذاتها أن يقسم بأنها على صواب وما عداها باطل.

الحوار المفتوح الذي وفرته شبكات التواصل بجانب السيل العارم من تدفق الأخبار والمعلومات هو ديموقراطية مشرعة النوافذ، أفسحت المجال للجميع أن يشارك بها دون قيود، فكانت النتيجة أنها فضحت مكنوناتنا وأبانت عيوباً كنا ننكرها، وفضحت سلوكنا الذي يعكسه افتقارنا لأخلاقيات النقاش وتقبل الخلاف والاختلاف على حد سواء، فما إن تنتشر أنباء أو خبر ما لا يتوافق مع المزاج الشعبي العام حتى تمتلئ صفائح أعمالنا بذنوب السنتنا وما تكتبه أقلامنا، مع سيل جارف من البغضاء الذي تمارسه النخب المتعلمة والمثقفة والرموز إلى جانب العامة تجاه كل مخالفٍ لها.

بأيدينا حولنا وسائل التواصل من نعمة إلى نقمة، وبجهلنا أسأنا لسمعتنا وكرّهنا الآخرين فينا، وأعطينا انطباعاً بدائياً عنا، فهل ما زلنا نستحقها، أم يجب أن نحرم منها حتى نتعلم من الصفر أدبيات التواصل مع الآخرين، وهذا بالطبع لن يكون بيوم وليلة، بل بإعادة تربية ممنهجة مع النشأ ومن سبقه من أجيال عديدة، يتم تعليمها أن التحضرّ في التعامل والنقاش أهم من تنتصر في العالم الافتراضي على المختلف عنك، نصراً إما سيظهر أخلاقياتك الرفيعة أو سوء خلقك.