آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

ما الأثر الاقتصادي للهيئات الثلاث ”2“

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

وهكذا نجد أن تنمية وتعزيز المحتوى المحلي قد تعني توجهات اقتصادية جديدة، فهي سياسة قد تضع الاقتصاد أمام خيارات جديدة، أو تتطلب اتخاذ قرارات محددة انسجاما مع سياسات أخرى، فمثلا لطالما كان التوجه فيما يتصل بالصناعة التحويلية غير النفطية هو الإحلال محل الواردات كأولوية، ولذا قامت السياسة الصناعية بدءا على منح حوافز وإعفاءات، بما في ذلك توفير البنية التحتية الصناعية، من خلال المناطق الصناعية، ومنح القروض الميسرة، والإعفاءات على استيراد مدخلات الإنتاج، كل ذلك في سبيل التصنيع محليا، تلبية للطلب المحلي. وبالقطع لم يكن أولوية تحقيق التنافسية، والدليل أن النهج كان منذ البداية حتى انضمام المملكة لعضوية منظمة التجارة العالمية هو أن فرض رسوم حمائية على الواردات، ومنح تفضيلات في المشتريات الحكومية للمنتج المحلي. وكما أن التنافسية لم تكن ضمن الأولويات، كذلك نسبة المحتوى المحلي، فلم تكن النسبة تمثل فارقا، بل لم تكن تحسب، وحتى عندما أخذت نسبة القيمة المضافة تحسب فكان ذلك تحقيقا للحماية ضمن منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث كان لا بد من أن يحقق المنتج حدا أدنى من القيمة المضافة المحلية حتى يعد منتجا خليجيا.

وهكذا، نجد أننا الآن أمام واقع جديد، يتجه لفسح المجال للمنتجات ذات المحتوى الأعلى، بمعنى أن تحديد إن كان المنتج وطنيا أم لا أمر لا تحدده جنسية رأس المال وسجله التجاري، بل إن كانت مدخلات الإنتاج محلية، أو على الأقل تحقيقها الحد الأدنى. وهذا يعني أن العنوان العريض ”الإحلال محل الواردات“ لم يعد مجردا أو تجريديا، بل يرتبط باستخدام مدخلات إنتاج محلية، ولا سيما الموارد البشرية السعودية، وإن لم يحقق ذلك فليس ثمة فرق بين المنتج المحلي ونظيره المستورد. وهذه السياسة ستلقي بظلالها على سياسة تشجيع الصادرات، فالمنتجات المحلية ستتجه لتحقيق الحد الأدنى من المحتوى المحلي حتى تستفيد من الحوافز والتفضيلات، وبالتالي من الطلب في السوق المحلية، وهذا قد يعني أن المنتجين قد يضحون للمنافسة خارجيا في سبيل اكتساب حصة من السوق المحلية. والسبب أن توظيف المدخلات المحلية قد لا يكون الخيار الأنسب من حيث التكلفة، لكنه شرط للاستفادة من تفضيلات المنشآت، التي تحقق اشتراطات المحتوى المحلي، ومنها بالتأكيد المشتريات الحكومية. أيهما أهم، استغلال الموارد المحلية أم فتح السوق على مصرعيه للواردات الأجنبية؟ سؤال يستحق إجابة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى