آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

وقفة تأمل

محمد أحمد التاروتي * كلمة رأس

إيقاعات الحياة، وتسارع الاحداث، والالتزامات الكثيرة، تشكل ضغوط حقيقية على الانسان خلال مشوار حياته، بحيث لا يجد متسعا من الوقت للوقوف مع الذات، لمراجعة مسلسل الاحداث، ومحاولة استخلاص العبر منها، وذلك لتفادي تكرار الاخطاء، والتمسك بالجوانب المشرقة، الامر الذي يتجلى في التحرك بشكل متواصلة، في محاولة لسباق الزمن، وايجاد المساحة المناسبة لحجز موقع مناسب، ضمن حركة التنافس القائم بين البشر، من اجل الاستحواذ على النصيب الاكبر، من كعكة المصالح الدنيوية.

التوقف لفترة زمنية لالتقاط الانفاس، يمثل احد المخارج الضرورية لتخفيف الضغوط المادية والنفسية، المفروضة على الانسان في الحياة، خصوصا وان التريث وتخفيف مستوى السرعة، في صراع المرء مع النفس، يسهم في اكتشاف بعض الثغرات الخافية، سواء بشكل مؤقت او دائم، الامر الذي يسهم في وضع النقاط على الحروف، بغرض ايجاد الوسائل المناسبة لتصحيح الاعوجاج، عوضا من مواصلة الانغماس الكلي، مما يجعل عملية المراجعة صعبة، واحيانا مستحيلة، نظرا لانعدام القدرة على الرجوع للخلف بشكل كامل.

التأمل الواعي، يعطي ثماره على الصعيد الشخصي، مما ينعكس على حركة المرء في المجتمع، بحيث تترجم على شكل مواقف مغايرة، تماما عن القرارات السابقة، الامر الذي يسهم في احداث متغيرات جوهرية، في دينامكية المجتمع، لاسيما وان القرارات الحاسمة ليست مقتصرة على التحولات الشخصية، وإنما تنسحب على البيئة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان وقفة التأمل تكون اثارها شمولية، وليست محدودة ضمن نطاق جغرافي ضيق، لاسيما وان الحركة الايجابية تترك اثرا في الإطار الجمعي، ”إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ“.

الانعطافة الايجابية المرتبطة بارادة التغيير الحقيقي، اكثر قدرة على انتزاع النفس من الحضيض الى الأعلى، لاسيما وان التغيير يحدث تحولات كبرى في طريقة التفكير، وكذلك النظرة للواقع المعاش، سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي، بحيث يترجم على شكل مبادرات خلاقة قادرة على الاستقطاب، وتحريك الطموح الجمعي باتجاه التغيير الحقيقي، عوضا من التغني بالماضي، او الاستسلام للأمجاد الغابرة، الامر الذي يتطلب هزة عنيفة قادرة ايقاظ الذات من الخداع الذاتي، خصوصا وان البعض يحاول اسكات الطموحات المشروعة بمسكنات مؤقتة، ليست قادرة على الصمود لفترات طويلة.

الوقفة الجادة المنطلقة من الاحساس بالمسؤولية، تحرك المشاعر المدفونة، وتفجر الطاقات الكامنة، بحيث تظهر على شكل اعمال مبهرة، وغير متوقعة على الاطلاق، فالمرء يمتلك الكثير من الإمكانيات والقدرات المؤهلة، لتحويل الواقع البائس الى حياة كريمة، من خلال الاختيار المناسب، والتعرف على الأدوات المناسبة، خصوصا وان العشوائية تترك اثارا سلبية، وتعرقل الجهود الحقيقية، وبالتالي فان وقفات التأمل المقرونة بالعمل المنظم، قادرة على ايجاد المناخ، لاحداث انقلاب حقيقي، في طريقة العيش في مختلف الاصعدة، الامر الذي يساعد على استكمال مشوار الحياة، بشكل مختلف تماما، من خلال الابتعاد كليا عن الفوضوية، ومسايرة إيقاعات العصر دون وعي، نظرا للتداعيات المترتبة على طريقة العيش، القائمة على مبدأ ”مع الخيل يا شقرا“.

كاتب صحفي