آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 7:06 م

التعايش.. الرأي

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض سلوكا متناقضا في القناعات الذاتية، ففي الوقت الذي يملأ الدنيا ضجيجا بشأن حرية الرأي، وضرورة التأقلم على الاختلاف والتعدد، فانه يمارس سلوكيات مغايرة تماما على ارض الواقع، من خلال قمع الاراء الاخرى بمختلف الممارسات، الامر الذي يكشف البون الشاسع بين القناعات الذاتية والممارسات العملية، بحيث تظهر على شكل قرارات ”تعسفية“ واحادية في الغالب، انطلاقا من مبدأ ”اكثر من نوخذة تغرق السفينة“، مما يستدعي انتهاج سياسة الصوت الواحد، وعدم السماح لبقية الاصوات بالتعبير عن نفسها.

اختلاف الاراء من السنن الطبيعية، اذ من الصعب الاتفاق على رأي موحد، في مختلف القضايا، نظرا لاختلاف التوجهات وتفاوت المصالح، وتعدد المشارب الفكرية، مما ينعكس على نوعية الاراء المتخذة، وبالتالي فان التسليم بمبدأ الاختلاف يسهم في تقبل الاراء في مختلف الامور، لاسيما وان الاعتماد على الرأي الاحادي، ليس صائبا في كثير من الاحيان، لاسيما وان المرء ليست قادرا على الاحاطة بجميع الجوانب، مما يستدعي الاستعانة من العقول الاخرى، لاكتشاف الخفايا والتعرف على الكثير من الامور، فيما تمرير الرأي الاحادي يخلق بعض المشاكل، ويعرقل ايجاد الحلول المناسبة.

تعدد الاراء ظاهرة صحية في الغالب، فالمجتمع الذي يتقبل وجهات النظر المختلفة، بامكانه استيعاب الاراء الموافقة او المعارضة، نظرا لوجود ثقافة اجتماعية قادرة على تقدير جميع الاراء، مما يؤسس لقاعدة قائمة على الاستماع للجميع، بعيدا عن المستوى الاجتماعي، او المكانة الاقتصادية، وبالتالي فان محاولات ممارسة القمع الفكري، في المجتمعات المنفتحة، مآلها الفشل الذريع، نظرا لوجود ثقافة معتمدة على التعدد، وعدم السماح للرأي الواحد، للاستحواذ على المشهد العام، الامر الذي ينعكس على نضوج الكثير من الحلول الاجتماعية للقضايا القائمة.

تقبل الاراء عملية تراكمية، وليست طارئة في الغالب، فالمرء الذي يعيش في بيئة اجتماعية رافضة للاختلاف، فانه يكتسب هذه الصفة في الغالب، مما ينعكس على الممارسات الاجتماعية، سواء في المفردات المستخدمة، او السلوكيات اليومية، حيث تظهر على شكل القرارات المتخذة، نظرا لافتقار البيئة الاجتماعية للمناخ المساعدة على استيعاب الاختلاف، فيما البيئات الاجتماعية القائمة على تقبل الاراء المختلفة، فانها تنعكس على مجموعة السلوكيات لدى الافراد، الامر الذي يكشف الاختلاف الكبير بين المجتمعات المتقدمة، ومثيلاتها المتخلفة، فالاولى قادرة على تقبل الاراء، مهما كانت جارحة او عنيفة، فيما تختفي تماما حرية الرأي في ”الثانية“، فهي تطرب للمدح والتبجيل، ويضيق صدرها من قول الحقيقة، او ابداء الرأي المخالف.

التعايش مع الاراء المختلفة، واحترام الاختلاف بشتى اشكاله، احدى الوسائل القادرة على نشر ثقافة ”الاراء“، خصوصا وان الاستفراد بالرأي الواحد، يفقد المجتمع القدرة على الابداع، والتحرك بحرية، فالمجتمع الذي يقدس الاختلاف يتطور بشكل تدريجي، جراء بروز كفاءات ذات قدرة فائقة على العطاء، نتيجة الشعور بالأمان في التحرك بحرية تامة، مما ينعكس على مسيرة المجتمع في النهاية، بخلاف المجتمعات ذات النظرة السلبية لحرية الرأي، فانها تبقى تراوح مكانها دون القدرة، على مغادرة المكان بسهولة، الامر الذي يستدعي خلق ثقافة جامعة، وليست مفرقة عبر تكريس الاستبداد في الاراء.

كاتب صحفي